علي حمادة

لماذا تتزاحم المعلومات عن حرب اسرائيلية جديدة على لبنان في النصف الاول من السنة؟
في الاساس لا يألو المسؤولون الاسرائيليون جهدا ولا يدخرون وسيلة لشن حرب نفسية على لبنان عموما وعلى quot;حزب اللهquot; خصوصا. وآخر هذه الحروب النفسية الحملة الاعلامية حول المنظومة الصاروخية الاسرائيلية المضادة للصواريخ القريبة والمتوسطة المدى كالتي يملكها quot;حزب اللهquot;، والتهديدات المتجددة الصادرة عن المسؤولين الاسرائيليين وآخرهم وزير الدفاع ايهود باراك من ان الحرب المقبلة لن توفر فيها اسرائيل المنشآت العامة اللبنانية ولا البنى التحتية، في ما يبدو انه مسعى اسرائيلي للقول ان quot;حزب اللهquot; مسؤول عما سيصيب لبنان من دمار في هذه الحرب.
في المقابل، وعلى رغم حرص quot;حزب اللهquot; حتى اشعار آخر على عدم ارتكاب خطأ يكون بمثابة الذريعة التي تحتاج اليها اسرائيل لشن حرب هدفها الاول تدمير قدرات الحزب العسكرية بصفته ذراعا ايرانية متقدمة على حدودها، وهدفها الثاني محو آثار الحرب الناقصة الاخيرة التي كشفت قصورا كبيرا في الجهوزية الاسرائيلية في مواجهة الحرب غير المتكافئة ( asymetric war) تضع اكبر الجيوش واكثرها تقدما في العالم في موقف المتلقي لضربات جيش غير نظامي يمتلك معرفة الارض، ولوجستيتها، ويتحمل منسوبا عاليا من الخسائر البشرية والمادية من دون ان يخضع لآليات المحاسبة التي تخضع لها الجيوش الكلاسيكية التابعة للدول، من هنا كانت حرب تموز التي افتعلها quot;حزب اللهquot; في ما جرى تعريفه من جانب العواصم الكبرى في العالم بـquot;حرب بالواسطةquot; دخلتها اسرائيل وايران على ارض لبنان، وما كان من نتائج ستبقى مدار خلاف لبناني كبير، بين قائل بأن الحرب كانت quot;نصرا إلهياquot;، وقائل بأنها كانت كارثة لأنها لم تكن حرب اللبنانيين بل حرب الآخرين على ارض لبنان.
وفي مطلق الاحوال تتزاحم المعلومات والتحذيرات من احتمال نشوب حرب بين اسرائيل والحزب في اي وقت خلال الاشهر القليلة المقبلة. وهذه المعلومات والتحذيرات وصلت الى كل المسوؤلين الكبار في لبنان حتى قبل ان تتوسع الحرب النفسية الاسرائيلية التي تريد استغلال الخلاف الوطني الكبير حول سلاح quot;حزب اللهquot;، وهو بطبيعة الحال خلاف يتصل بمعنى لبنان كيانا ونظاما نظرا الى تحول وجهة السلاح نحو الداخل في سياق عملية وضع quot;حزب اللهquot; يده على البلاد بشكل او بآخر. وليس سرا ان حركة رئيس الجمهورية ومعه رئيس الحكومة في الخارج تهدف الى محاولة تحييد لبنان، علما انهما يدركان اكثر من غيرهما ان تأثيرهما على القرار الاستراتيجي لـquot;حزب اللهquot; شبه معدوم إن لم يكن معدوما بالكامل. اما عن اسرائيل فحدّث ولا حرج. ولذلك يستحيل الجزم ان الحراك الخارجي لرئيسي الجمهورية والحكومة في كل اتجاه، والقائم على قلق كبير من انزلاق محسوب او غير محسوب، سيحول دون نشوب حرب اقليمية جديدة يجري توريط لبنان فيها عنوة كالمرة السابقة.
استنادا الى ما تقدم، كيف يمكن خلق ديناميكية مانعة للحرب؟ وما هو دور المعني الاول اي quot;حزب اللهquot;؟ ان اكثر ما يحتاج اليه لبنان هو ترسيخ مرحلة الهدوء والتهدئة. واكثر ما يحتاج اليه ايضا ان تترسخ المصالحات على قاعدة مختلفة عن تلك التي تجري اليوم، فالمصالحات تكاد تكون مهينة، والتراجع الظاهري لعامل السلاح في المعادلة الداخلية اقرب الى عملية تكاذب متبادلة، وتاليا فإن الجبهة الداخلية في لبنان غير مستقرة ولن تستقر حقيقة ما دام الشعور بالتهديد سائدا في كل مكان. وفي هذا الاطار ثمة خطوات كبيرة وكبيرة جدا يتعين على quot;حزب اللهquot; ان يقوم بها سريعا للتخفيف من الشعور بالتهديد الطاغي لبنانيا بسبب سلاحه، ومساريه داخليا وخارجيا. ومن هنا يتعين ان يكون دخول الدولة الى الضاحية الجنوبية دخولا حقيقيا، وسيادة القرار 1701 جنوب الليطاني سيادة تامة لا تخترقها منظومة عسكرية ضخمة ستستغل في حال نشوب الحرب كجزء من اسلحة اسرائيل الدبلوماسية امام مجلس الامن لنيل تغطية المجتمع الدولي في الحرب ضد منظمة مسلحة تعتبر في نظر المجتمع الدولي منظمة غير شرعية، وهي جزء من خلاف وطني في لبنان، ناهيك بانها تمثل في نظر معظم الدول العربية الكبرى اداة اختراق ايراني للعمق العربي.
ان مسؤولية منع الحرب عن لبنان تقع ايضا على عاتقنا. اما اذا سعت اسرائيل الى الحرب كيفما اتفق فالأفضل ان يكون لبنان متصالحا وفق قواعد صحيحة بدل هذا التكاذب الذي يجمع قوة طاغية بقوى مذعنة.