مهنا الحبيل

لم‮ ‬يقف المشهد السياسي‮ ‬في‮ ‬الخليج العربي‮ ‬عند تصريح مهم لمؤشرات وضع العلاقات الإيرانية الأمريكية في‮ ‬المنطقة وبالذات مستقبل المفاوضات المعلقة وانعكاساتها على مستقبل الخليج،‮ ‬خاصة أن هذا التصريح حديث مما‮ ‬يُدلل على أن التواصل الأمريكي‮ ‬الإيراني‮ ‬لا‮ ‬يزالْ‮ ‬دافئاً‮ ‬في‮ ‬بعض الملفات وهو ما نشر عن الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة وزير الخارجية البحريني‮ ‬وتطرق له الزميل عبدالخالق عبد الله في‮ ‬صحيفة العرب القطرية حين أعرب الوزير لبعض الإعلاميين في‮ ‬حوار المنامة الأخير الذي‮ ‬كانَ‮ ‬قريباً‮ ‬من أحداث التاسع من محرَّم عن احتجَّاجه واندهاشه من وجود جلسات مفاوضات سرية عُقِدت بين واشنطن وطهران على هامش المؤتمر في‮ ‬غياب كامل عن الحضور الخليجي‮ ‬ودونَ‮ ‬أي‮ ‬إخطار أو إحاطة لدول مجلس التعاون الخليجي‮.‬ وإضافة إلى ما‮ ‬يؤكده هذا الموقف عن الدور المزدوج الذي‮ ‬تمارسه واشنطن على الخليج وهو ما ذكرناه مراراً‮ ‬وأن ما تطالبه بهم من تصعيد موسمي‮ ‬أو تهدئة إجرائية إنما‮ ‬يأتي‮ ‬في‮ ‬سياق مصالح واشنطن التي‮ ‬ستتعرض بالضرورة إلى تقاسم النفوذ في‮ ‬المنطقة،‮ ‬وبالتالي‮ ‬انعكاسات ذلك على أمن الخليج ببصمة أمريكية إيرانية مزدوجة،‮ ‬وهذا ما‮ ‬يستدعي‮ ‬الدخول من جديد لاستعراض هذه العلاقة والملفات المشتركة لنتعرف على خريطة تقاطعات المصالح بين القطبين وتأثيراتها على الخليج العربي‮ ‬مؤكدين على أن فلسفة المصالح هيَ‮ ‬التي‮ ‬تحكم الدول لا ضجيج الصراع الإعلامي‮.‬ لكنني‮ ‬هذه المرة سأبدأ باستعراض الموقف من تباينات التقييم للعلاقة مع إيران وخلافنا مع بعض المثقفين العرب في‮ ‬هذا السياق من أنصار واشنطن أو محازبي‮ ‬طهران،‮ ‬وذلك لما نستشعره من ضرورة تجلية الموقف من هذا الجدل خاصةً‮ ‬في‮ ‬أوساط التيار الإسلامي‮ ‬والقومي‮ ‬وعموم الرأي‮ ‬العام العربي‮ ‬وما هي‮ ‬القاعدةٍ‮ ‬المهمة في‮ ‬تناول الملف الأمريكي‮ ‬الإيراني‮ ‬توافقاً‮ ‬مصلحياً‮ ‬أو صراعاً‮ ‬مستندين على أنّ‮ ‬هذه العلاقة هي‮ ‬المدخل لفهم أكثر العوامل تأثيراً‮ ‬على مستقبل منطقة الخليج العربي‮ ‬وأمنها القومي،‮ ‬وهي‮ ‬التي‮ ‬ابتداءً‮ ‬صنعت التقاطع الذي‮ ‬أسقط العراق وأفغانستان تحت الاحتلال وألهبت الحالة الطائفية في‮ ‬المنطقة وانتهاءً‮ ‬بتأثيرات هذا الاستقطاب الطائفي‮ ‬والسياسي‮ ‬والعسكري‮ ‬للحركة الحوثية في‮ ‬اليمن‮.‬ إنَّ‮ ‬هذا الموقف الإسلامي‮ ‬العروبي‮ ‬الذي‮ ‬ننطلق منه‮ ‬يقفُ‮ ‬بينَ‮ ‬رؤيتين إعلاميتين‮ ‬يطرحهما فرقاء الخطاب العربي‮ ‬المرتبط بهذه القضية‮.‬ الأولى‮: ‬الانجرار وراء الموقف الأمريكي‮ ‬وحلقة من المدار العربي‮ ‬الرسمي‮ ‬المؤيِّد له بالمطلق بما فيه التقاطع معَ‮ ‬خطاب الكيان الصهيوني‮ ‬وإن كانَ‮ ‬ذلكَ‮ ‬يُسوَّقُ‮ ‬في‮ ‬الأوساط العربية لهدف استهلاكي‮ ‬وتبقى هناك إستراتيجية إدارة خاصة لواشنطن معَ‮ ‬طهران،‮ ‬هذا الموقف‮ ‬يتلخَّص باعتبار الأميركيين حليفاً‮ ‬مشروعاً‮ ‬ضد إيران بحسب موجات التصعيد الإعلامي‮ ‬ومقتضيات الصراع أو الصفقة والخطير في‮ ‬هذا السياق استخدام الخطاب المذهبي‮ ‬لخدمة هذه الرؤية‮.‬ أمّا الرؤية الثانية التي‮ ‬يتبناها المنحازون للمشروع الإيراني‮ ‬وهُم صنفان الأول موظَّفْ‮ ‬كلياً‮ ‬في‮ ‬مدارها لأسبابٍ‮ ‬طائفية أو مصلحية أو أيدلوجية تحملْ‮ ‬عُمقاً‮ ‬تاريخياً‮ ‬من الخلاف مع الفكر الإسلامي‮ ‬السني‮ ‬وبعض جغرافيته وبالتالي‮ ‬الوقوف في‮ ‬مواجهته وإن كانت هذه الشخصيات أو المؤسسات في‮ ‬الأصل ليست ذات توجه ديني‮ ‬بل سياسي،‮ ‬أما الصنف الثاني‮ ‬من أنصار إيران فهم المتأولون كردة فعل على الموقف العربي‮ ‬الرسمي‮ ‬المنحاز ضد المقاومة والمتحالف كلياً‮ ‬مع واشنطن وهوَ‮ ‬يضمُّ‮ ‬شخصيات فكرية إسلامية وقومية محل احترام وتقدير وتتفق معَ‮ ‬المحور الإسلامي‮ ‬المستقل في‮ ‬قضايا أخرى وهو ما‮ ‬يستوجب عدم افتعال المعارك والصراعات الفكرية معَ‮ ‬هذا الفريق الثاني‮ ‬واتساع صدر محور التيار الإسلامي‮ ‬العروبي‮ ‬المستقل لهذا الاختلاف حتى ولو كانَ‮ ‬لا‮ ‬يتسعْ‮ ‬صدره لـ طرح الفكرة المخالفة له،‮ ‬وغداً‮ ‬بإذن الله نعرض للرؤية المستقلة عن القطبين‮.‬