أين القانون من مواقع الفتن المهددة للسلم الاجتماعي؟‮!‬

المنامة‮ - ‬حسين التتان‮ ‬

مثلما للمواقع الإباحية من تأثير مدمر على المجتمع والنشء،‮ ‬فإن المواقع الإلكترونية السياسية ذات التوجهات التحشيدية ضد أمن الوطن وسلمه الاجتماعي‮ ‬لها تأثيراتها المدمرة على المجتمع وأبنائه‮.. ‬وفي‮ ‬ذات الوقت فإن الأمر شديد الالتباس والحساسية حيث تقع الجهات المسؤولة بين حجري‮ ‬رحى وفكي‮ ‬نقيضين،‮ ‬فإما أن تغلق المواقع الإلكترونية العامة والمنتديات،‮ ‬فتكون بذلك قد صادرت الحريات وكممت الأفواه،‮ ‬وإما أن تترك العنان لهذه المواقع للبوح بما تحتويه من مضامين أخلاقية ومجتمعية فاسدة فتفتح المجال لأن‮ ‬ينهار السلم المجتمعي‮ ‬بأكمله‮.‬
المعادلة في‮ ‬الواقع ليست صعبة أو معقدة،‮ ‬فليس هناك ما‮ ‬يدعو لغلق المواقع الإلكترونية أو مصادرة الحريات من قبل الدولة،‮ ‬لكن في‮ ‬ذات الوقت لا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يتم السماح لمواقع التحريض على الكراهية والفتن الطائفية‮ ''‬أياً‮ ‬كان لونها ومزاجها‮'' ‬من أن تعطى مطلق الحرية تحت عناوين‮ ''‬إفساح الحريات‮'' ‬للآخر المختلف‮.‬
السؤال الذي‮ ‬يطرح نفسه هو‮: ‬هل ما تزال الدولة حائرة في‮ ‬اتخاذ موقف صريح تجاه هذه المواقع خوفاً‮ ‬من جهة دون أخرى؟ أم أن الجهات المسؤولة لن تستطيع إغلاق فضاءات وعوالم الإنترنت مهما حاولت أو سعت إلى ذلك سبيلاً؟
غلق مواقع الفتن والتحريض على الكراهية أمر مطلوب،‮ ‬لكن في‮ ‬المقابل لابد من وضع ضوابط أخلاقية وقانونية لردع كل من تسول له نفسه الإساءة لهذا الوطن وأبنائه‮.. ‬التحقيق التالي‮ ‬يبحث فيما تقدم‮..‬
يتحدث عضو مجلس الشورى حمد مبارك النعيمي‮ ‬عن جدلية عدم حجب مواقع التحريض على الكراهية قائلاً‮: ''‬الآن وبعد المشروع الإصلاحي‮ ‬الذي‮ ‬دشنه جلالة الملك،‮ ‬أصبحت الأمور التي‮ ‬تتعلق بحرية الكلمة تسير بسلاسة عبر القانون،‮ ‬سواء كانت الحرية للشخص الفرد أو المسؤول،‮ ‬والإنسان العادي‮. ‬وعندما سمحت الجهات الرسمية والمسؤولة بفتح هذه المواقع الإلكترونية،‮ ‬فقد كانت تأمل أن تمارس هذه المواقع دورها وحريتها بسلالة وديمقراطية،‮ ‬لكن بعد إعطاء المجال لها،‮ ‬فإن هذه المواقع أصبحت مسيئة حيث أساءت للكثير من أبناء الوطن‮''.‬
الحجب لا‮ ‬يكفي
ويضيف‮: ''‬إنني‮ ‬ضد كل المواقع التي‮ ‬تعمق الجرح الوطني‮.. ‬هذه المواقع تفرق الطوائف والأعراق،‮ ‬فمنذ ولدنا ونحن نعيش مع بعضنا البعض‮.. ‬سنة وشيعة،‮ ‬فلماذا اليوم بالذات تفتح ملفات أغلقت منذ زمن بعيد؟ ولماذا‮ ‬يُفتح التاريخ بأوجاعه بشكل قذر وبشع في‮ ‬مواقع إلكترونية لا تخشى الله؟ هذه مواقع تدمر السلم الاجتماعي‮ ‬فعلينا الحذر منها ومنعها بقوة القانون‮''.‬
وعن دور القانون ورأيه في‮ ‬مواقع التحريض‮ ‬يقول‮: ''‬أما بالنسبة لغلق هذه المواقع ومعاقبة أصحابها،‮ ‬فإن علينا جميعاً‮ ‬الرجوع إلى القانون‮... ‬ففي‮ ‬اعتقادي‮ ‬إن إغلاق هذه‮ ‬المواقع‮ ‬غير كافٍ،‮ ‬خصوصا إذا مارست هذه المواقع‮ ''‬عبر أصحابها ومرتاديها‮'' ‬أسوأ الممارسات بالطعن العلني‮ ‬الممجوج،‮ ‬سواء لقيادتنا الرشيدة،‮ ‬أو إلى أصغر فرد في‮ ‬المجتمع‮. ‬إن بعض المواقع اليوم فيها إساءة إلى كل الطوائف وأحياناً‮ ‬تصل الإساءة إلى أشخاص بعينهم وبأسمائهم،‮ ‬ولهذا لابد من تغليظ عقوبة المنع بأن تكون هناك جزاءات أخرى لأصحاب هذه المواقع الخطيرة،‮ ‬ولا‮ ‬يكفي‮ ‬إغلاقها والسلام،‮ ‬بل لابد من وضع عقوبات أخرى،‮ ‬حسب الأذى الذي‮ ‬يصدر عنها،‮ ‬وذلك عبر استصدار تشريعات جزائية للحد من انتشارها،‮ ‬لأنني‮ ‬أعتقد أن هذه المواقع أشد خطراً‮ ‬من المواقع الإباحية حين تترك لها حرية أن تمارس ما تشاء من التحريض والإساءة دون رادع من القانون،‮ ‬لأن في‮ ‬هذا الأمر نهاية مدمرة للسلم الاجتماعي‮ ‬وانهيار لدعائم الوطن‮''.‬
تراخي‮ ‬حكومي
أما النائب الشيخ ناصر الفضالة‮ ‬يتحدث عن دور القانون والدولة ورأي‮ ‬الدين في‮ ‬حجب المواقع الإلكترونية المشينة قائلاً‮: ''‬أستغرب،‮ ‬ويجب أن‮ ''‬تسجلوا استغرابي‮''‬،‮ ‬أن الدولة في‮ ‬فترة من الفترات أوقفت هذه المواقع الخطيرة،‮ ‬لكن اليوم نجد أن هذه المواقع بدأت تنشط من جديد‮.. ‬نحن اليوم نريد تطبيق وتفعيل القانون الذي‮ ‬يجرم ويعاقب أصحاب هذه المواقع،‮ ‬ولكن مع الأسف مازالت هذه المواقع تمارس دورها السيئ،‮ ‬فالحكومة اليوم تمارس نوعاً‮ ‬من التراخي‮ ‬تجاه هذه المواقع الطائفية،‮ ‬هذه المواقع التي‮ ‬أسست للفتنة لا أكثر،‮ ‬وتريد تفتيت الوحدة الاجتماعية،‮ ‬كما أنها تمس السلم الاجتماعي‮ ‬برمته‮... ‬نحن عشنا في‮ ‬البحرين ولم نعش لحظة من لحظات هذا الوطن الجميل بأن هذا سني‮ ‬وهذا شيعي،‮ ‬ولكن القائمين على هذه المواقع بدأوا‮ ‬يعيدون فتن التاريخ التي‮ ‬مزقت الأمة‮ ‬يوماً‮ ‬من الأيام هنا في‮ ‬البحرين،‮ ‬لكن مع ذلك فالشعب البحريني‮ ‬واع لهذه المؤامرة التي‮ ‬يحيكها البعض ضد هذا الوطن‮.‬
ويضيف‮: ''‬لا‮ ‬يمكن السكوت على مواقع الفتنه والتحريض أو تركها تمارس أبشع أنواع الكراهية والحقد ضد بعضنا البعض‮. ‬على عقلاء القوم الانتباه لهذه المواقع وتحذير الناس من دخولها والتعبث والعبث في‮ ‬مصير الناس من خلالها كتابها الجهلاء‮''.‬
ومن وجهة نظر الدين في‮ ‬ممارسات تلك المواقع لدورها التخريبي‮ ‬للأمن المجتمعي‮ ‬يقول الفضالة‮: ''‬يدعونا الإسلام إلى عدم إثارة الفتن الاجتماعية،‮ ‬لأن المفتن‮ ''‬مفسد في‮ ‬الأرض حسبما جاء في‮ ‬الإسلام‮''‬،‮ ‬فهذه المواقع اليوم تطرح أسماء وتهينهم،‮ ‬وتطرح مفاهيم مغلوطة حول شخصيات وطوائف لها وزنها وقيمتها الاجتماعية والتاريخية،‮ ‬كما ترسل إهانة لأسماء لها مكانتها الاجتماعية،‮ ‬وعوائل محترمة ومذاهب معتبرة،‮ ‬وعليه فالإسلام شدد على حفظ العرض وصونه من كل الانتهاكات المجتمعية الخطيرة‮. ‬إنني‮ ‬أطالب بوقف هذه المواقع المسيئة للسلم الاجتماعي،‮ ‬بل وأطالب الأشخاص من المواطنين وغيرهم من رفع دعاوى ضد أصحاب هذه المواقع إذا مارست دورها التخريبي‮ ‬ضدهم وضد الأفراد والمجتمع،‮ ‬وأنا على‮ ‬يقين حين‮ ‬يثبت تورط هذه المواقع بالتعرض للأشخاص بأسمائهم الصريحة فإن القضاء والقانون سوف‮ ‬ينصفهم ويقف إلى جانبهم‮''.‬
هي‮ ‬جرائم إلكترونية
ماذا‮ ‬يقول المشرع والقانون؟ وكيف نميز بين قمع الحريات وقمع المجتمعات؟‮ ‬يجيب على ذلك القانوني‮ ‬والمحامي‮ ‬فريد‮ ‬غازي‮ ‬قائلاً‮: ''‬لقد قال القانون كلمته في‮ ‬هذا المجال،‮ ‬والتعدي‮ ‬على الآخر من تلكم المواقع‮ ‬يقع من ضمن الجرائم الإلكترونية،‮ ‬وهي‮ ‬التي‮ ‬تمس السلام الوطني‮ ‬والحريات العامة،‮ ‬بالإضافة إلى ما تحتويه من إساءة إلى أشخاص أو جهات معينة،‮ ‬ومتى ما تثبت مسؤولية أي‮ ‬فرد جنائياً‮ ‬في‮ ‬هذه الجرائم الإلكترونية لا بد من أن‮ ‬يقدم إلى النيابة العامة،‮ ‬بعد تقديم شكوى ضده،‮ ‬ويحاكم وفق الدستور والمواد التي‮ ‬يحملها القانون‮''.‬
ويضيف‮: ''‬نحن ضد من‮ ‬يسيء استخدام الانترنت لضرب الوحدة الوطنية،‮ ‬وإهانه أشخاص بعينهم،‮ ‬والتعرض للأعراض والقيم والعادات ولكل المفاهيم الخيرة التي‮ ‬نشأ عليها هذا الشعب منذ بداياته الأولى‮. ‬للأسف الشديد،‮ ‬البعض لا‮ ‬يعرف أن‮ ‬يفرق بين الممارسة العامة للحريات بأدب ولباقة،‮ ‬وبين الطعن والإهانة لأشخاص ومذاهب وعوائل بحرينية لها قيمتها المجتمعية‮. ‬وقد سن المشرع قانوناً‮ ‬خاصاً‮ ‬بالجرائم الإلكترونية جرمها صراحة،‮ ‬كما أن القانون اليوم أوجد تشريعاً‮ ‬للصحافيين الإلكترونيين إن جاز التعبير،‮ ‬لكن حين‮ ‬يفتح المجال على مصراعيه لكل من هب ودب للكتابة وبدون رادع أخلاقي‮ ‬أو قانوني‮ ‬فإن هذه فوضى،‮ ‬وجريمة في‮ ‬حق الوطن‮''. ‬ويقول‮ ‬غازي‮: ''‬للأسف الشديد هناك استخدام بشع للإنترنت عبر أشخاص‮ ‬يدخلونه بأسماء مستعارة تحت مسمى حرية التعبير وانطلاقاً‮ ‬من عنوان إعطاء المجال المطلق للحريات العامة،‮ ‬مما أدى في‮ ‬النهاية إلى المساس بصلب الوحدة الوطنية وشق الصف وإثارة النعرات الطائفية والفتن بين المذاهب والأفراد‮.. ‬كل ذلك تحت عنوان افساح المجال لأكبر قدر من الحريات،‮ ‬وهذه مفاهيم مغلوطة‮ ‬يجب أن تصحح،‮ ‬وإذا لم نستطع ذلك،‮ ‬فعلينا منعها بقوة القانون والدستور‮''.‬
مواقع مدمرة لها أجندتها
ما هو أثر المواقع التي‮ ‬تثير الفتن وتحرض على الكراهية وتدمر السلم الاجتماعي‮ ‬على المدى البعيد؟‮ ‬يجيب على هذا السؤال الباحث الاجتماعي‮ ‬حميد محسن قائلاً‮: ''‬بالنسبة إلى المواقع المذكورة فإن هناك أكثر من موقع ووسيلة قد تجر نحو تفتيت السلم المجتمعي،‮ ‬فلابد أن تكون هذه الوسائل والمواقع منضبطة‮. ‬نحن مع الحريات العامة لكن بشرط الانضباط والالتزام بالمعايير الأخلاقية والوطنية،‮ ‬أما إذا لم تجد هذه المواقع نفسها ملتزمة بالقانون فحينها‮ ‬يحق للدولة أن تحجبها‮''.‬
ويضيف‮: ''‬لا‮ ‬يمكننا أن نعمم هذا القول على كافة المواقع الإلكترونية،‮ ‬لكن لاشك أن هناك بعض المواقع التي‮ ‬يديرونها جهلة أو أطفال‮ ‬يمسكون بتلابيبها ويديرون عبرها أجندتهم الخاصة،‮ ‬ما‮ ‬يؤدي‮ ‬بالتالي‮ ‬إلى خراب النسيج الاجتماعي‮ ‬والوطني،‮ ‬وهذا من أكبر الأخطار المسكوت عنها‮''.‬
يجب على الدولة من باب الحرص على اللحمة الوطنية حجب هذه المواقع الطائفية ومواقع الفتن‮... ‬المواقع سيئة الصيت‮.. ‬بذلك تحافظ الدولة على الوحدة الوطنية،‮ ‬بل إن حجب تلك المواقع التي‮ ‬من شأنها تخريب الوطن والإضرار بالسلم الاجتماعي‮ ‬يكون حينها أمراً‮ ‬حتمياً،‮ ‬وهذا بالتأكيد تتحمله الدولة،‮ ‬فإذا استمرت هذه المواقع في‮ ‬بث السموم الطائفية وغيرها فإننا سنلوم الدولة على التراخي‮ ‬وعدم الحزم في‮ ‬التعامل مع مواقع إلكترونية تدمر البلاد والعباد