لندن - رائد الخمار

بدت حكومة مهدي بازركان وكأنها لا تتمتع بالثقة الكاملة للخميني او لمجموعة المستشارين والمقربين من الامام العائد. وكانت القرارات الاولى التي اصدرتها مشوشة ومتضاربة وغير فعالة، خصوصاً مع سيطرة افرقاء من مختلف الاتجاهات على مناطق متفرقة من العاصمة والمدن الاخرى، وعلى الادارات المختلفة في ظل توزع القوى وتسلحها laquo;حتى الاسنانraquo;، وفي غياب ادارة مركزية فاعلة تستطيع التحكم في البلاد.
قال السفير البريطاني في طهران جان غراهام، في برقية إلى الخارجية حملت الرقم 462 وتاريخ 22 فبراير، ووردت ضمن وثائق افرج عنها الارشيف الوطني نهاية العام الماضي: laquo;ان هزيمة القوات المسلحة للشاه على ايدي الثوريين في معارك جرت بين 9 و12فبراير ادت إلى غياب اي سلطة موحدة قادرة على فرض القانون والنظام يمكن ان تعتمد عليها الحكومة لتأمين مسيرة الدولةraquo;.

إعدام الجنرالات

وجاء تحطيم القوات المسلحة، الذي لم يكن مخططاً ولا يرضي اي طرف من قادة المعارضة غير المتطرفين، وسط انباء سرت عن قرب توقيع اتفاق بين بختيار وبازركان للحفاظ على الجيش وحدة متكاملة لجعله اداة وحدة للنظام بعد تغيير قياداته، الا ان معارك العاصمة وبعض المناطق ادت إلى الغاء الاتفاق واعتباره غير ساري المفعول.
وتم حتى الآن اعدام ثمانية من كبار الجنرالات، في حين تجري محاكمات صورية لآخرين تمهيداً لتصفيتهم وسط اشارات عن تعديلات جذرية للقوات المسلحة.
وكان كبار الضباط اعتبروا ان مسؤولية فرط الجيش تعود إلى انعدام الرغبة لدى بعض الضباط في اتخاذ قرارات، خصوصاً ان القيادة لم تدفع العدد الكافي من الجنود لحسم معارك الايام الثلاثة (9 ndash; 12 فبراير) ما انهى هيبة الجيش وتركه فريسة للغوغاء والمتطرفين وجعل سيطرة هؤلاء على ثكنات طهران سهلة ثم لحقها سقوط الثكنات في المناطق المختلفة.

جيش عقائدي

وكانت حكومة بازركان اختارت، وبتوجيه من الخميني، الجنرال ولي الله قرني رئيساً لاركان الجيش بعدما استدعته من التقاعد لاعادة بناء الجيش في خدمة الدولة الاسلامية اثر تقربه من الخميني وزيارته له في باريس قبيل عودة الامام من المنفى.
وكان القرني مسؤولاً في عام 1958 عن استخبارات الجيش لكنه اقيل بعد محاكمته بتهمة العمل السياسي الذي كان محظوراً على الضباط في عهد الشاه.
وقال القرني، في 20 فبراير، ان 50 في المائة من افراد القوات المسلحة عادوا إلى الثكنات، لكنه لم يُشر إلى رتب هؤلاء، كما ان النسبة اقل بكثير في ثكنات العاصمة.
ويبدو ان الخميني اتخذ قراره بتصفية كبار الضباط وبناء جيش عقائدي اسلامي، واعلن في السابع عشر من فبراير ان على الجنرالات الذين يحملون نجمتين وما فوق الاستقالة.. كما تم توقيف 60 ضابطاً كبيراً في القوات المسلحة، وفي القوات الجوية، التي اعلنت ولاءها للنظام اولاً، تم توقيف او طرد 30 جنرالاً.
وعلى الرغم من ان الحكومة، عينت بعد تشكيلها، ضباطاً لقيادة المناطق، فان نصف هؤلاء طردوا بعدما سقطوا في امتحان الولاء للثورة!
ولاحظ السفير ان في ايران عددا كبيرا من الجنود والمعدات تحت سلطة حكومة بازركان التي لا تستطيع استخدامهم في فرض القانون، او ان يقبل الرأي العام هذه المسألة.
واذا حاول بازركان استخدام بقايا الجيش لفرض سلطته، سيتعرض لهجمات اكبر من مجاهدي خلق، وذراعهم العسكرية laquo;شريكةraquo;.
ولاحظ السفير ان ما قاله رئيس الاركان الجديد عن laquo;اعادة هيكلةraquo; الجيش وlaquo;اعادة النظر بالاستعانة بالخبراء الاجانبraquo; يدخل في اطار التعاطي بحذر مع القوات المسلحة.
واشار الى ان الوضع ليس افضل في البحرية وقاعدة بندر عباس وقيادة الطيران التي فقدت مركز توجيهاتها وقدرات التدريب والتوجيه، رغم ان بعض الطائرات استخدم اثناء وصول طائرة عرفات، لكن على مسؤولية الطيارين الشخصية.

لجان ثورية

ويبدو ان لجانا ثورية شكلت في القواعد البحرية والجوية لادارة الشؤون اليومية بانتظار ان تبت السلطات الجديدة بالامر، وتعيد قادة قواعد موالين للثورة. وسيعني ذلك ان فرض القانون وتطبيقه سيبقى في ايدي المتطوعين الهواة من دون رابط مركزي بينهم.
وروى قصصا تناولت السرقات من الاغنياء وتوزيع المسروقات على الشعب، او بيعها لمصلحة المساجد وحتى الافراد.

الاكثر تنظيما ودموية

ومع كل ما يجري في ايران تبقى منظمتا مجاهدي خلق وlaquo;الشريكةraquo; الاكثر تنظيما وانضباطا ودموية. ولا يعتزم المنضمون الى التنظيمين تسليم اسلحتهم الثقيلة والخفيفة حتى تتم تسوية سياسية laquo;تنصفهمraquo; كما يقولون.
وكانت اللجنة الثورية المعاونة للخميني احتوت المجاهدين، وسمحت لهم بالاحتفاظ بالسلاح مؤقتا. ويبدو ان هؤلاء مع منظمة laquo;هومافارزraquo; في القوات الجوية يعملون كحرس للثورة ومليشيا لتنفيذ اهدافها مثل حراسة رئاسة الوزراء والتفتيش عن المشبوهين والتحقيق مع الشركات التي استغلت عهد الشاه لتحقيق مكاسب غير مشروعة كما يقولون.
وكان فصيل من laquo;مجاهدي خلقraquo; يحرس السفارة الاميركية، ويبعد اي طرف عنها، لكن تم بأوامر عليا استبدال هؤلاء بفصيل من القوى الجوية الاكثر ولاء لرجال الدين.
وكانت laquo;الشريكةraquo; اعلنت انها لن تسلم اسلحتها الا الى جيش وطني وبعد تسوية مرضية.
وكانت لجنة برئاسة ابو الحسن بني صدر شكلت لتأسيس حرس للثورة الاسلامية، يتسلم كل الاسلحة من مختلف الفصائل التي استولت عليها من النظام السابق.
وكان رئيس الاركان ولي الله القرني اعلن ان القوات المسلحة السابقة حلت، وانه يجري حاليا تشكيل جيش جديد يحمي مصالح الايرانيين. كما اعلن ان المعدات، التي حصل عليها الجيش من دول غربية، لن تسقط في ايدي اطراف خارجية اخرى. كما سيتم تشكيل حرس وطني من جميع من قاتلوا لانتصار الثورة.
وكان امير انتظام، احد مساعدي خميني، قال للسفارة البريطانية laquo;ان العمل يجري لتشكيل حرس ثوري موال جدا لا يضم الا الاسلاميينraquo;.
وبدا ان بازركان يتلقى طلبات متضاربة من مختلف الفصائل التي شاركت في الانقلاب على الشاه ما يجعله عاجزا عن تنفيذ جميع الطلبات بسبب تضارب بعضها مع بعض.
واقترحت الجبهة الوطنية بقيادة كريم سنجابي تشكيل مليشيا وطنية واعادة تشكيل جيش مستقل عنها وفق معايير تقليدية بعيدا عن التنظيمات السياسية، ويخضع مباشرة لرئيس الحكومة.
وقال السفير في ملحق لبرقيته انه تم طرد الكولونيل تافاكولي، منسق شؤون الامن، في اللجنة الامنية التابعة للخميني، بعدما تحدث عما يجري علانية.

المطار والمصانع

كان اعلن في الثاني والعشرين من فبراير عن اعادة فتح مطار طهران بعد يومين امام الرحلات الدولية الاجنبية على الرغم من ان الموظفين فيه، وفي مختلف المصانع والمصالح لم يعودوا الى مكاتبهم بسبب الوضع الامني، وقلة المواصلات الناتجة عن قلة توزيع المحروقات.
واشار السفير في برقية لاحقة إلى ان اللجان الثورية التابعة لخميني مباشرة، احتجزت بعض الخبراء البريطانيين الذين كانوا يدربون القوات الجوية للتحقيق في نشاطاتهم.
وفي برقية مباشرة الى رئاسة الحكومة البريطانية، قال السفير غراهام في 23 فبراير laquo;يبدو ان الخميني حسم الجولة الاولى في الصراع على السلطة مع مختلف الاطراف التي شاركت في الانتفاضة ضد الشاهraquo;.
ونقلت البرقية عن بازركان قوله في مقابلة مع مجلة نيوزويك الاميركية ستنشر لاحقا، ان حزب laquo;تودةraquo; الشيوعي سيبقى محظورا في ايران laquo;لأننا دولة اسلامية لا نؤمن بالشيوعيةraquo;.
وتوقع السفير انه laquo;في الفترة القصيرة المقبلة ستشهد ايران حملة تصفيات بين مختلف الفصائل التي بدأت تستعد لحملة السيطرة على مقدرات الامورraquo;، واشار الى ان laquo;الشريكةraquo; اتخذت مركزا للسافاك مقرا اساسيا لها، وبدأت تدرب الانصار على السلاح، وتجند استعدادا للمعركة المقبلة التي ستقع قريبا.
وبدا ان الهدف الاول للحكم الجديد الاسراع باعادة الحركة الى الاقتصاد، وجعل الناس يشعرون بان الفوضى انتهت، ومن ثم بدء تشكيل جيش جديد وادارة جديدة، ومن ثم الاعداد لاستفتاء عام لتغيير هوية ايران وجعلها جمهورية اسلامية.

الحلقة المقبلة:
الاستفتاء والاعداد لاحتلال السفارة الاميركية