احمد عياش

بالتأكيد، سينتصر لبنان في المعركة التي تجددت حول الرقم القياسي لصحن الحمص. ولن تفلح محاولات اسرائيل الزج بعرب فلسطين من عام 1948 في هذه المعركة. ويا حبذا، لو يسجل في سجل quot;غينيسquot; ان الصحن الفلسطيني هو من فاز على الصحن اللبناني، لكن الأمر ليس مطروحاً في هذا الشكل، فالجهد للفلسطيني لكن الجائزة ستذهب الى الاسرائيلي. وحسناً فعل وزير السياحة اللبناني عندما انتبه الى هذا المقلب وقرر الرد في الربيع المقبل وعلى الحدود الجنوبية ايضاً.
وبالتأكيد نفسه يمكن القول ان لبنان لن ينتصر عسكرياً على اسرائيل ما دامت اللعبة غير لبنانية، وإن بدا ان quot;حزب اللهquot; في قلبها. فمثل صحن الحمص المصنوع فلسطينياً والمجيّر لاسرائيل فان quot;الانتصارquot; المصنوع لبنانياً إذا ما افترضنا ان لبنان سيهزم اسرائيل سيجيّر لنظام ولاية الفقيه الايراني الذي يصنع quot;انتصاراتquot; مماثلة في غزة واليمن والعراق وفي كل مكان يمكن ان يصل اليه نفوذه.
ربما بدا هذا الكلام نوعاً من اللغو عند من جرفتهم العاب السلاح الذي يجر الخراب الى اي ملعب حل به. لكنه يمثل وبالمنطق الديني الذي يجري استخدامه بالمقلوب حقيقة الجهاد الاكبر في ميادين الحياة بعد الجهاد الأصغر في ميادين الحروب. وفي الجهاد الاكبر وحده تكمن هزيمة اسرائيل التي فرضت ولاقت من يجاريها ثقافة الحروب، فعطلت حيث استطاعت ثقافة الحياة في هذه المنطقة.
في العودة الى صحن الحمص، وليكن بمثابة تمرين على ثقافة الحياة. فليأخذ لبنان المبادرة اليوم قبل الغد وليتبنّ الرقم القياسي الجديد بشرط ان يسجل في موسوعة quot;غينيسquot; باسم فلسطين التي تهواها الافئدة في كل انحاء العالم. وبناء عليه، اذا قبلت اسرائيل، فلتفتح اسواق العالم قاطبة للحمص الفلسطيني ليعود مردوده الى اهل فلسطين وثقافتها وحضارتها وتاريخها. أما اذا لم تقبل اسرائيل، وهي لن تقبل، فليستعد الوزير فادي عبود مؤازراً ليس من بلده، بل من فلسطين وسائر انحاء العالم المحب للسلام لرد التحدي، وحسناً يفعل ان اختار الميدان بوابة فاطمة في كفركلا على مقربة من الجليل من أجل اعادة الحق الى اهله في هذا الشرق المسلوب حقوقاً لا عد لها ولا حصر.
بمثل هذا التفكير يمكن التطلع غداً الى الحدث في أنقرة حيث سيوقع اتفاق إلغاء تأشيرات الدخول بين لبنان وتركيا. انه النموذج الامثل لـquot;الجهاد الاكبرquot; ولثقافة الحياة، وبه سيحيا لبنان وينتصر على التاريخ الطويل الذي يمتد الى أكثر من نصف قرن، حيث جعل من الوطن الصغير كبش فداء للشرق الكبير. في عمق هذا التحول كان مشروع رفيق الحريري وفي عمق هذا المشروع يواصل quot;الجهاد الاكبرquot; سعد الحريري.
ذات مرة أدخل الرئيس السابق اميل لحود على مجلس الوزراء فكرة اكل التفاح في محاولة لمواجهة الكساد الذي عانته هذه الثمرة اللبنانية الشهيرة. بالطبع، ذهبت المحاولة ادراج الرياح لانها اتكلت على فك رئيس الجمهورية وعدد من الوزراء ليقضموا ما استطاعوا من التفاح. في حين كانت الضغوط لا تتوقف من اجل عرقلة مشاريع النهوض التي اطلقها حلم رفيق الحريري وعزيمته بداية التسعينات من القرن الماضي. واليوم، فليجعل الرئيس ميشال سليمان وبمنتهى الجد افتتاح الاجتماع الاول لطاولة الحوار المقبلة بصحن حمص وطني. فبمثل هذا الصحن يرسم لبنان فعلا الاستراتيجية الدفاعية التي ستخيف اسرائيل اكثر بكثير من العاب العبوات التي تظهر على الحدود هذه الايام لتوقظ شهية اسرائيل على طبقها المفضل: الحرب.