ميسر الشمري

أثبتت جميع الدراسات الاجتماعية والعلمية والنفسية والسيكولوجية، أن الثقافة الجماعية للشعوب، هي التي تفرض أنماط الحياة على أبناء تلك الشعوب، ولهذا قالوا: laquo;إن الإنسان ابن بيئتهraquo;. الدين الإسلامي ذاته، أقر بذلك، من خلال حديث الرسول محمد ndash; صلى الله عليه وسلم ndash;: laquo;كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانهraquo;، وهناك صيغة أخرى للحديث لا تُخلّ بالمعنى رواها البيهقي والطبراني، وإذا ما سلمنا بأن الإنسان ابن بيئته، وأن عائلته الصغيرة ومن ثم مجتمعه الكبير، هما من يمليان عليه الكثير من سلوكياته الأخلاقية والاجتماعية والثقافية، فإن ثقافتنا الاجتماعية بكل تفرعاتها، هي التي فرضت على معظم النساء العربيات أن يبقين أسيرات أجسادهن، منذ اللحظة الأولى التي تصل فيها إحداهن مرحلة البلوغ ndash; وربما قبل تلك المرحلة لدى بعض المتشددينndash; وإلى أن يوارى جسدها الثرى في مقبرة ما.

في أدبياتنا هناك من يقول: laquo;العين تعشق قبل القلب أحياناًraquo;، ولأن مفهوم العشق لدينا مرتبط ثقافياً بالجسد وما تبعه من ممارسات حيوانية غرائزية، أصبحت المرأة ترى أن كل العيون في الشارع أو السوق، مجرد وحوش تنهش في جسدها، وربما ذهبت إلى ابعد من ذلك من خلال إحساسها بأن تلك العيون laquo;كاميرات حديثةraquo; تلتقط التفاصيل تحت ثيابها، وهو ما يدفعها لأن laquo;تُعلبraquo; روحها وأفكارها وأحاسيسها الإنسانية، داخل ذلك الجسد المنهوش بعيون تعشق قبل القلب دائماً.

هذه ليست محاولة مني للإتيان بثقافة اجتماعية جديدة تنصف المرأة وترضي فحولة الرجال الأشاوس، لكني أحاول أن أوضح المعاناة التي تعانيها نساؤنا جراء ثقافة اجتماعية رديئة كتبها الذكور وانتهجوها قولاً وعملاً، من دون أن يفكروا ولو للحظة أن هذه المرأة، هي ذاتها التي وصفتها جميع الحضارات السابقة بأنها رمز الخصب والعطاء والجمال، ناهيك عن أن المرأة واحدة من أجمل مخلوقات الله.

المرأة العربية المفطورة على الذكاء والفطنة والأحاسيس المرهفة، تدرك أن العيون التي تلاحقها في الشارع والمتجر والسيارة، تحركها الغرائز لا العقول، لهذا تتعامل معها وفقاً لتربيتها، بشيء من الحشمة والخوف، وهو ما يجعلها ترتبك وتغوص داخل جسدها الذي تراه قريناتها في الغرب والشرق على أنه laquo;نعمةraquo; من الله، بينما هي أصبحت تراه laquo;نقمةraquo; ابتلته بها ثقافة اجتماعية غير قابلة للتطور ومسايرة متغيرات الحياة في المسكن والملبس والمأكل، وهي (الثقافة الاجتماعية) وصل الأمر بها في مرحلة ما، أن تسمي المرأة بـ laquo;فردة نعلraquo;. بعض القبائل العربية عندما تذهب لخطبة فتاة لابنها، يقول والد العريس لوالد العروس: laquo;ترانا جايين نطلب فردة هالنعلraquo;. هذا الأمر بالنسبة لي، فيه عدالة ومساواة، فإذا كانت العروس laquo;فردة نعلraquo; فمن الطبيعي أن يكون العريس laquo;الفردة الأخرىraquo; ليصبحا laquo;زوج أحذيةraquo; ويتم الزواج، لينجبا لاحقاً المزيد من laquo;الأحذية البشريةraquo;.

أنا لا أطالب بمساواة المرأة العربية بالمرأة الغربية، هذا أمر صعب فلكل واحدة منهما ثقافتها الخاصة، لكني أطالب المجتمع بأن يبدأ مرحلة جديدة في التعامل مع المرأة، لكي لا تتحول نساؤنا إلى مجرد أوعية لتفريغ نزوات الرجال ومقياس لفحولتهم الكاذبة والمبنية على نزق لا إنساني، كتبه جهلة استقوا رجولتهم من الدماء التي نزفت 40 عاماً من اجل ناقة، واصطلى أحفادهم لأكثر من ستة عقود بنيران الاحتلال والغبن والذل والمهانة في فلسطين وعربستان والجولان ولواء اسكندرون وسيناء قبل أن تسترد بالتطبيع وتوزيع القبلات في الكنيست الإسرائيلي.

مرة أخرى، هذه ليست دعوة للتمرد على القيم، ومن أراد فهمها على هذا النحو، فله ذلك، لكني أطلب أن نعيد النظر في الكثير من تراثنا، الذي اختلط كغيره من الأساسيات التي نعتز بها بالعادات، وتحول إلى كائن مسخ غريب عن تكويننا الإنساني المبني على قيم قل مثيلها بين شعوب الأرض. لنستبعد من فكرنا وأدبياتنا كل ما يجسد المرأة، على أنها مجرد آلة لتفريخ المزيد من البشر.