حسن مدن

مرة منذ سنوات تحاور اثنان من أقطاب الفكر العالمي المعاصر حول معضلات الحياة الراهنة، حول ما تطرحه حضارة الإنسان الحديثة من تحديات وإشكالات . المثير في هذا الحوار أنه جرى بين مثقف وفنان غربي هو رينيه هويغ من فرنسا، وآخر شرقي آسيوي هو ديزاكن إيكيدا من اليابان .

وإذا كانت القواسم بين فرنسا واليابان كثيرة من حيث كونهما مجتمعين صناعيين أو ما بعد صناعيين، وأن التقنية تدخل عمودياً وأفقياً في تفاصيل الحياة اليومية لشعبيهما، فإن الفوارق بينهما أيضاً كثيرة، فهما نتاج حضارتين وثقافتين مختلفتين وظروف تطور تاريخي مختلفة كذلك .

ولكن الرجلين اتفقا على أن الحضارة العالمية المعاصرة تعاني من أزمة شاملة، أزمة أصيلة وحقيقية لها أبعاد مادية ونفسية وأخلاقية، كأن العلم والتقنية اللذين هما خلاصة التقدم وحقيقته استوليا بانجازاتهما المذهلة على الإنسان، فحولاه إلى آلة تنتج وتستهلك ففقد روحه وقلبه .

وأن أزمة بهذا الشمول تنعكس على العالم الروحي للإنسان، وأشكال وطرائق التعبير عن هذه الروح، خاصة الفنون، بوصفها حاملة للمعنى الشعوري الواقع على تخوم الوعي واللاوعي لحظة تعبيره عن هذا الواقع المأزوم، حين تتجلى هنا أحاسيس الضيق العميق من الانحرافات التي ينطوي عليها عالم اليوم، والرغبة في الفرار من الاختناق المادي الذي تدفع إليه حضارته .

ثمة حوار آخر مشابه دار بين ريجيس دوبريه وجان زيغلر، والرجلان هنا شأنهما في حوار الشرق والغرب شأن الحوار بين الفرنسي هويغ والياباني إيكيدا ينطلقان من أرضية واحدة، لكنها تحتمل تعدد وتنوع زوايا النظر، حيث يتجلى الوعي بالأزمة الشاملة التي تلف عالمنا، ويقترب دوبريه وزيغلر أكثر من الهواجس التي تثيرها الثورة المعلوماتية التي نقلتنا إلى عالم آخر بالمقدار الذي يصبح فيه السمعي والبصري هما قناة التأثير المباشر .

وبرأي زيغلر فإن تقنية الصورة غريبة عن أخلاقية الذكاء التي تكمن في الزمن الضروري الذي يستغرقه بناء التحليل المنطقي . بيد أن الرجلين لا ينأيان عن الفكرة الأساس التي تتمحور حول أن المجتمع الراهن يعزز الشعور بالاغتراب لدى الإنسان، فرغم انفتاح العالم على بعضه بعضاً وتداخل الثقافات واختزال المسافات، فإن رائحة الانغلاق تفوح أساساً في تلك البلدان التي تبشر بالعالمية .

ربما آن الأوان لمضاعفة الجهود نحو صوغ ثقافة مضادة لتلك التي جعلت الغرب حتى الآن وصياً على الآخر لإبراز التعددية الثقافية .