نبيل بومنصف

تحشر الموجة الجديدة من المواجهة الدولية مع الارهاب لبنان في زاوية حرجة، تفرض عليه اتخاذ اجراءات وسياسات تحول دون اصابته بأضرار قد تكون بليغة، ان لم تتسم هذه السياسات بالمرونة والفعالية الكافيتين لتمرير هذه العاصفة المتجددة بالحد الادنى من الاكلاف.
والحال ان الموجة الجديدة تنذر باستعادة الكثير من وجوه الاضرار التي اصابت لبنان عقب زلزال 11 ايلول 2001 الاميركي، ولكن ما فارق فريد هذه المرة هو ان المتغير الوحيد من الزاوية التي تعني لبنان مباشرة هو لبنان نفسه، بمعنى وجود سلطة مختلفة فيه ستجد نفسها في مواجهة عاملين شديدي السطوة والقوة والانفعال هما الارهاب المتمادي والانماط الامنية الدولية في حربها معه وعليه ولا سيما منها الانماط الاميركية تحديدا.
بطبيعة الحال لم يكن إقحام لبنان ضمن منظومة الدول التي اخضعتها الادارة الاميركية لاجراءات التفتيش المتشددة اخيرا سوى اجراء بالغ الرعونة، لا تبرره اي مسوغات ما دام الرئيس الاميركي نفسه انتفض غضبا لاخفاقات الاجهزة الامنية الاميركية في منع المحاولة الارهابية الاخيرة التي سيتعين على العالم ان يدفع ثمنها لمدة طويلة. ذلك ان اقحام لبنان مع دول مصنفة بأنها اما ارهابية واما قاصرة، عن مكافحة قنوات التسلل الارهابي، من شأنه ان يزيد الهوة المتفاقمة لأزمة الثقة المستحكمة بين فئات لبنانية مناهضة للادارة الاميركية وممثلة في الحكومة والسياسات الاميركية عموما، بل انه يوسع هذه الهوة الى الفئات المعروفة تقليديا بقربها من هذه السياسات او على الاقل من بعضها في ما يتصل بسيادة لبنان واستقلاله وانفتاحه على العالم الغربي. فالشمولية في التعامل مع اللبنانيين كأنهم عابرون الى اميركا من معسكرات ارهابية وبشبهة التمييز والتوجس تحت وطأة لحظة الغضب الاميركي، تنطوي على جور خطير وظلم فادح لبلد كان دوما ومواطنيه ضحايا الارهاب وحروب الارهاب والحروب على الارهاب.
واذا كان لبنان لا يزال يعاني في واقعه الحالي من وجود ما يثير الخشية اللبنانية في الدرجة الاولى والخارجية في المقام الثاني من ظواهر وشبهات ارهابية فان ذلك لا يبرر العودة الى استعادة اجراءات ثبت عقمها من مثل التصنيفات المعممة القاسية التي تشعر اللبنانيين بمهانة وتمييز فاقعين.
لكن هذا التحدي الجديد للبنان لا يعني في المقابل التعامل معه من منطلق quot;ايديولوجيquot; صرف لان مصالح اللبنانيين الحقيقية تضع الحكومة امام اختبار شديد الحساسية والدقة. فحتى لو كانت السلطة محقة في القيام بأوسع حملة ديبلوماسية وتعبئة اعلامية لإسقاط هذا التصنيف، فهي ستكون قاصرة عن اقناع الاميركيين والاوروبيين وسواهم، وحتى اللبنانيين انفسهم عن اهلية لبنان لتجاوز هذه quot;المعاييرquot; الطارئة الخطيرة ما لم تكن السياسات اللبنانية منسجمة وفعالة وموحدة بالمقدار الكافي لإسقاط التهمة اولا وحمل حق اللبنانيين تاليا في عدم الوقوف في صفوف quot;التمييز الارهابيquot;. وهو امر سيضع الحكومة امام اختبار مزدوج يتعين عليها معه ان تعكس فهمها لظروف المواجهة الجديدة بين الارهاب والعالم الغربي وعدم الاستهانة بها عبر خطاب ايديولوجي جامد وخشبي لمجرد ارضاء quot;المحيطquot; الاقرب والابعد، وكذلك اختراق القرار الاميركي واظهار القدرة في الداخل على تغييره وعدم الركون الى مفاعيله بديبلوماسية فعالة ومقنعة وسياسات امنية ذات صدقية. ولعل الاهم في هذا السياق ان تتمكن السلطة اللبنانية فعلا من إحداث اختراق في النظرة quot;الايديولوجيةquot; الاميركية نفسها الى بعض الواقع اللبناني والتي لا تختلف عن نظرة معظم العالم اليه بفعل انقساماته وصراعاته الداخلية. فثمة حكومة الآن مسماة حكومة وحدة وطنية، وهناك مصالح عليا حقيقية للمواطنين اللبنانيين مهددة بالصميم وتفرض سياسات على هذا المستوى من الخطورة. ولا اوهام لدى اي لبناني في ان مصالح المواطنين تتفوق على الاقل على انصاب الزعماء وحصصهم في التعيينات المنذرة بكل الفضائح التقليدية.