القاهرة - حسن حافظ

يطرح ما رددته تقارير إخبارية متعددة عن اكتشاف كنز الأربعين حرامياً في مدينة ماردين التركية أسئلة عدة حول أصل قصص {ألف ليلة وليلة} الخيالية. هل هي تاريخ أهمل فصيغ أدبياً معبراً عن أحلام طبقة معينة؟ أم أنها نتاج خيال جمعي مبدع متفجر عبّر عن نفسه بالخيال.

عثر الخبراء على 400 عملة ذهبية في مدينة ماردين حُفظت في متحف المحافظة، وأرجعوا تاريخها إلى عصور السلاجقة والصفويين مؤكدين أنها الكنز الذي كان يجمعه من عرفوا باسم الأربعين حرامياً.rlm;

كان مدير متحف محافظة ماردين نهاد أردوغان صرح بأن حيثيّات عدة تدل على أن هذا الكنز هو لأبطال قصة الأربعين حرامياً، فأقرب قرية مجاورة لقرية سوراكلي حيث الكنز المُكتشف اسمها تشالحرامي وهي كلمة تعني الأربعين حرامياً، إضافة إلى أن منطقة ماردين خصوصاً كانت معبراً لطرق الرحلات والقوافل لعقود عدة، ما يشير إلى أن اللصوص كانوا يسكنون قرية تشالحرامي ويجمعون ما ينهبونه ويسرقونه من القوافل المارة في مغارتهم في القرية.

ما سبق يطرح تساؤلاً عن مدى واقعية قصة علي بابا وغيرها من قصص {ألف ليلة وليلة} وارتباط القصة بمحيطها الإسلامي، فالقصة الأصلية تجري أحداثها في أجواء فارسية فيما اكتشف كنز الأربعين حرامياً في تركيا، إضافة إلى وجود أصداء للقصة في المجتمعات العربية.

أحداث واقعيّة

يؤكد أستاذ الأدب المقارن والحديث في جامعة حلوان د. صلاح السروي أن القصص والملاحم الشعبية مرتكزة على أحداث واقعية غالباً، فأصل سيرة بني هلال الشعبية تاريخي معروف وبعض الأحداث فيها وقع فعلاً لكن صيغ أدبياً في قالب شعبي لا يهتم بالواقع التاريخي ولا تسلسله متبعاً منهج الحذف والإضافة.

عن قصص {ألف ليلة وليلة} أشار السروي إلى أن {لبعضها خلفية واقعية فعلاً، لكن تفاصيل القصة لا تتفق بالضرورة مع الحقائق المادية، فكنز الأربعين حرامياً المكتشف حديثاً لا يعني أن أحداث القصة وقعت فعلاً، بل يشير إلى واقع حقيقي استغله خيال مبدع فصاغه في قالب قصصي.

يضيف السروي: {قد يكون للقصة أصل بعيد كقصة قارون القرآنية، فللقصص الشعبية أساس من الواقع لكن داخلها تطورات وحذوفات واختلاقات لجعلها قصة خيالية لها أصل من الحياة}.

أستاذ الأدب الشعبي في جامعة بنها د. يسري العزب قال إن الأدب الشعبي متجذّر من الواقع غالباً، لكن الخيال الشعبي يميل إلى المبالغة وتضخيم الأحداث لصنع الأسطورة التي تساعده في تحمل الواقع واجتياز الصعب فيه.

عن الحكاية الخرافية، أكد العزب أنها أهم الحكايات الشعبية، إذ يلجأ الراوي الشعبي إلى استخدام الجن والعفاريت والبساط السحري ومصباح علاء الدين لقطع المسافات المكانية والزمانية والوصول إلى ما يريده البطل الذي تتجسد فيه آمال الطبقات الشعبية، فيكون انتصاره انتصاراً لهم وسعادته بهجة لهم. الأسطورة هي السبيل إلى تحقيق التوازن النفسي بين حاجات الطبقات المطحونة وبين واقعها المأساوي.

في سياق متصل، ذكر الباحث في الفلكلور فارس خضر أن قصص {ألف ليلة وليلة} محض خيال فلا وجود حقيقي لمدينة النحاس أو جزيرة المغناطيس وظهور هذه المدن للبعض في القصص الشعبية تعبير عن عقل الطبقات الشعبية الجمعي الذي تستعمله لتعويض فقرها وحرمانها، وتتجلى هذه الشخصيات المتخيلة في {ألف ليلة وليلة} وتصب في محاولات الطبقات الشعبية في إشباع رغباتها المكبوتة. لذلك تجد أن معظم من يجد الكنوز والمدن المتطورة هم من الفقراء القانعين وليس من الأغنياء الطامعين.

عن محاولات البعض الربط بين بعض أحداث القصص الشعبية بأحداث واقعية، أشار خضر إلى فترات انقطاع تاريخي لا تسمح معه نقص المادة التاريخية بالجزم بصحة هذه الوقائع، بل على العكس يوحي بعض القصص بأنه جزء من الخيال الشعبي المعبر عن طائفة مطحونة من الشعب، فثمة حالة شوق لمحاولة تشكيل تراض مع الواقع بالخيال واختلاق حوادث اكتشاف الكنوز.

يُذكر أن قصة {علي بابا} ألهمت مبدعين كثيرين فقُدّمت سينمائياً وتلفزيونياً: قدمها توجو مزراحي على شاشة السينما عام 1942 في فيلم من إخراجه وبطولة علي الكسار، وعُرض مسلسل بالعنوان نفسه على الشاشة الباكستانية، إضافة إلى صياغة القصة نفسها في إطار مسلسلات {ألف ليلة وليلة} (بطوبة يحيى الفخراني) عام 1995 على الشاشة المصرية، فضلاً عن تقديم القصة ذاتها للأطفال في مسلسلات وأفلام كارتونية.