صلاح الفضلي

يروى أن هارون الرشيد غضب يوماً على زوجته زبيدة، وكانت قريبة إلى قلبه، وهو في هذه الحال قال لها أنتِ طالق ثلاثاً إذا بتِّ في ملكي الليلة، ولما هدأ هارون الرشيد ندم على ما قاله، فأحضر العلماء وقال أخرجوني مما وقعت فيه، فقالوا له ليس لك مخرج وملك أمير المؤمنين واسع لا يمكنها أن تغادره في ليلة واحدة. ولما أحست زبيدة بخطورة الموقف أرسلت إلى أحد 'العلماء' بهدية ثمينة مع خادمها، وقالت للخادم قل له إن مولاتي تسلم عليك وتقول لك هل عندك حل في هذه المسألة، فلما وصل الخادم إلى 'المفتي' وعرض عليه الأمر قال المفتي: نعم إن الحل موجود، وهو أن تذهب زبيدة فتبيت في أحد المساجد، لأن المساجد لله وليست ملكاً لأحد، وبهذا تتحقق رغبة زبيدة. فرحت زبيدة بالفتوى 'الذكية' وأرسلت إلى المفتي بالمجوهرات والحلل الثمينة.

نسوق هذه القصة بمناسبة انتشار ظاهرة المشايخ والمفتين 'المودرن' الذين يقدمون خدماتهم حسب طلب الزبون، فالنوع الأول من هؤلاء المشايخ هم على شاكلة 'مفتي زبيدة'، فعندهم مخرج شرعي لكل مشكلة، فنفس المسألة يمكن أن يفتوا بحرمتها أو وجوبها، وتسلم الفتوى إلى صاحبها معلبة بعلبة فاخرة. النوع الثاني من 'المشايخ تحت الطلب' هو ذلك النوع الذي يدّعي تفسير الأحلام، وهو لا يعرف شيئاً اسمه 'الله أعلم'، فهو عنده علم الأولين والآخرين، فمهما كانت نوعية الحلم ولو كان فيلماً هندياً فإن التفسير جاهز، وأنا على يقين أن سيدنا يوسف الذي خصه الله بتفسير الأحلام لو عرضت عليه أغلب هذه الأحلام لما فسرها، لأنها أضغاث أحلام، أغلبها ناتج عن ملء المعدة بالكباب والتشريب والفتوش والحلويات التي تتحول في آخر الليل إلى أنواع مختلفة من المنامات. وبعد أن كان تفسير الأحلام مقتصراً على البرامج التلفزيونية استحدث 'مشايخ تفسير الأحلام' خدمة تفسير الأحلام بالتوصيل إلى المنازل عبر 'المسجات'، فإذا كان لديك حلم، فلا داعي أن تحتار أو تتصل 'بالشيخ'، فكل ما تحتاجه أن ترسل حلمك بالمسج الذي لا يكلفك أكثر من 300 فلس ليصلك التفسير خلال دقائق، والمضحك أن تفسير كل الأحلام يكون خيراً، ولم أسمع مرة أحد مفسري الأحلام يفسر الحلم بأن صاحبه سيصاب بمرض أو يتعرض لمشكلة، أي أنه تفسير حسب الطلب.

النوع الثالث من مشايخ 'تحت الطلب' هو ذلك النوع الذي يتاجر بقراءة القرآن والأدعية والزيارات، فالاستماع إلى سورة من القرآن بصوت القارئ الفلاني يكلفك نصف دينار مثلاً، والدعاء نيابة عن شخص يكلفك ديناراً، والصلاة ركعتين نيابة عن شخص آخر تكلف خمسة دنانير، وهكذا تتزايد التسعيرة حسب نوع الخدمة 'الدينية' التي يريدها 'الزبون'، حتى أصبح الدين وقراءة القرآن والدعاء مجالاً للمتاجرة والتكسب 'عينك عينك'.

في الأمس استمعت إلى دعاء مضحك من أحد 'مشايخ تحت الطلب'، حيث كان الدعاء يتناول الوضع السياسي في الكويت، وفيه يدعو الشيخ الله أن 'يؤلف بين قلوب النواب والوزراء'.

النوع الرابع من المشايخ 'تحت الطلب' وهو أخطرهم هو النوع الذي يدّعي التخصص في فك السحر وطرد الجن، فكل مشكلة اجتماعية أو خلاف بين زوجين أو أزمة مالية يتعرض لها شخص يكون تحليلها عند هذه النوعية من المشايخ أنه عمل سحر، أو أن جنيّاً إسرائيلياً أو يهودياً قد تلبسه أو تلبسها، والحل يا مولانا الشيخ؟ الحل أن تعطيني المقسوم، وأنا أفك لك السحر، والبعض من هؤلاء يقدم خدماته عبر التلفون والبريد والفاكس، فهو يطلب تحويل مبلغ من المال مدعياً أنه يستطيع فك السحر بالتلفون، والآخر يرسل طلاسمه عبر الفاكس لكي 'ينقعها المسحور ويشرب ماءها'.

قد يقول قائل إن هذه الأمور منتشرة بين الطبقات غير المتعلمة، ولكن الحقيقة أن هذه الأمور- ومع الأسف الشديد- منتشرة بين المتعلمين وغيرهم، وبين المتدينين وغيرهم. المأساة أنه وبسبب لجوء الأهل والأقارب إلى هؤلاء الدجالين يذهب بعض أصحاب المشكلة ضحية، فأغلبية أصحاب الحالات الذين يذهب أقرباؤهم إلى هؤلاء الدجالين يعانون ضغوطاً نفسية تؤدي في كثير من الحالات إلى الاكتئاب الشديد، وهو مرض خطير يحتاج إلى علاج نفسي لدى متخصصين، وليس لدى دجالين، ولكن نظراً للجهل والإيمان بهذه الخزعبلات يذهب كثير من الشباب والفتيات والنساء والرجال ضحية، وتزداد حالتهم سوءاً، فالدين وتعاليمه السامية براء من 'مشايخ تحت الطلب' الذين يتاجرون به ويتكسبون منه.