بثينة شعبان


في ملاحظات الرئيس أوباما حول تعزيز استخبارات وأمن الطيران، والذي جاء نتيجة ما سُمي محاولة غير مكتملة لتفجير طائرة ركاب أميركية في أعياد الميلاد، أشار الرئيس أوباما أكثر من مرة إلى أن laquo;الاستخبارات الأميركية كانت على علم بأن عناصر ذات صلة بـ(القاعدة) في اليمن تنوي ضرب الولايات المتحدة وتجنيد العناصر لفعل ذلك، غير أن الاستخبارات لم تتابع وتضع أولويات الخيوط التي لديها والمتعلقة بتوجيه ضربة إلى الولايات المتحدةraquo;، ويخوض الرئيس أوباما بعدها في أمور فنية تتعلق بتلقي المعلومة وتحليلها والتصرف وفق أولوياتها ووضع النقاط على الحروف، وملء الفراغات، والوصل بين المعلومات من جهات متعددة، ويبقى في كل ذلك أساس ملاحظات الرئيس أوباما وعلاجاته، الذي يستند على فرضيتين أساسيتين لم يتساءل عن أسبابهما أو عن مدى صحتهما؛ الفرضية الأولى هي أن هناك في مكان ما أناسا يكرهون الولايات المتحدة يجندون العناصر التي تكرهها، ويخططون لضرب أمنها، وهؤلاء يجب أن يضعهم في قائمة من يحظر عليهم الطيران، والفرضية الثانية هي أن العلاج لهؤلاء هو علاج استخباراتي في المطارات والموانئ والحدود، والبحث عن أجهزة أكثر تطورا، وتضييق الإجراءات على الملايين من المسافرين من رعايا 14 بلدا سوف يخضعون لتفتيش لا يخلو من المهانة في المطارات الأميركية.

الخطير في الأمر، أن الرئيس أوباما كرر عبارة الرئيس بوش: laquo;نحن في حرب ضد (القاعدة)raquo;، ولا أعلم ما إذا كان الرئيس أوباما قد لاحظ أن أسماء الدول قد ازدادت منذ سلفه بوش، حيث كان من المفترض أن الحرب على أفغانستان هي حرب على laquo;القاعدةraquo;، والحرب على العراق هي حرب على laquo;القاعدةraquo;، إلى أن اكتشفوا بعد ذلك أن laquo;القاعدةraquo; امتدت في السنوات الأخيرة إلى باكستان، وها هو الحديث عن laquo;القاعدةraquo; اليوم يمتد إلى الصومال واليمن ونيجيريا، وربما إلى دول أخرى في المستقبل، هل نجحت استراتيجية الحرب على الإرهاب التي أعلنها الرئيس بوش في التقليل من خطر الإرهاب أم زادت انتشاره؟ وإذا كانت قد زادت انتشاره كما هو واضح من عدد الدول التي تذكرها الولايات المتحدة اليوم في تصديها لـlaquo;القاعدةraquo;، فهل يعني هذا أن هناك أسبابا أخرى تحول دون نجاح هذه الاستراتيجية، أو أن هذه الاستراتيجية لم تلامس جوهر الموضوع ولم تقدم الدواء الشافي له؟

السؤال الذي يتوجب طرحه هو: لماذا يستهدف البعض الولايات المتحدة ويجندون آخرين، لا علاقة لهم ربما بالإرهاب، ضدها؟ إذا كان ازدهار الولايات المتحدة هو السبب، فهناك دول تتنافس لتكون الأولى في سرعة النمو الاقتصادي، فلماذا لا تشعر هذه الدول بأنها مستهدفة كما تشعر الولايات المتحدة بذلك؟

لا يوجد شيء في الدين الإسلامي يشجع على كره بلد ما أو شعب محدد؛ لأن الأساس في الدين الإسلامي هو laquo;ولا تزر وازرة وزر أخرىraquo;، ولذلك وفي حمأة جرائم الحرب الأميركية على العراق، لم يتعرض مدني أميركي لحادثة واحدة في العالم الإسلامي، لأن المسلمين يميزون بين الحاكم والمحكوم.

ففي الوقت الذي يعالج فيه الرئيس أوباما خطرا كان محتملا، لم يذكر كلمة عن جريمة حصلت وارتكبت في أعياد الميلاد بدم بارد، حيث قتلت إسرائيل 6 شبان فلسطينيين، 3 في نابلس و3 في غزة، بعضهم أمام زوجاتهم وأطفالهم وكانوا جميعا عزلا لا سلاح لديهم، كما لم يُدِن الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في العام الماضي في غزة، كما لم يسمع بالناجية من الهولوكوست والمتظاهرين من الدول الغربية الذين قدموا للانتصار لشعب غزة السجين، وعادوا من دون أن يتمكنوا من الوصول إلى غزة.

لقد قال العرب منذ القدم إن laquo;العدل أساس الملكraquo; لأن العدل هو الذي يجلب الرضا، والرضا هو أساس الأمن والأمان، أما الشعور بالظلم والإهانة والاستهتار بالدماء والحياة والكرامة فلا بد أن يولد النقمة والغضب، أما الأسلوب السليم فيجب أن ينصب على إزالة الظلم الناجم عن الاحتلال والاستيطان والحرب.

كيف يكون شعور أي مسلم يرى 1.5 مليون مدني محاصرين من دون غذاء ودواء في سجن مهين اسمه غزة، يقصفون يوميا بالطائرات الأميركية الصنع، ويمنعون من الحياة الحرة الكريمة من قبل إسرائيل، وبدعم وتمويل وتسليح غربي، وحين يقع حكامها وضباطها في ورطة بسبب جرائمهم، يستخدم laquo;الفيتوraquo; الأميركي لحمايتهم أو يتم تغيير القوانين لحماية مجرمي الحرب.

ما يحصل اليوم هو استهتار واضح بحياة المسلمين ودمائهم بحيث إن أخبار كل الجرائم التي ترتكب بحقهم لا تلقى مساحة في الإعلام الغربي، ولا تصل إلى جمهوره، وبالتالي يجهل الغرب فعلا حقيقة ما يدور في الساحة العربية والإسلامية، لأن مصادره عن هذه الساحة إما تأتي من قبل من يرتكب الجرائم بحقها، وإما من قبل المتعاونين معهم بشكل أو بآخر.

في بداية القرن العشرين وحتى الخمسينات، كانت الولايات المتحدة تمثل أرض الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية والصحافة الحرة في ذهن العرب والمسلمين، هذه الصورة كانت نتيجة لموقف الرئيس الأميركي ويلسون الذي طالب بإنهاء الاستعمار عام 1918، ولموقف الرئيس أيزنهاور الذي وقف ضد العدوان الثلاثي (البريطاني - الفرنسي - الإسرائيلي) على مصر عام 1956، ولموقف الرئيس كينيدي الذي هتف في برلين ضد الجدار، فأين رؤساء أميركا الحاليون من هذه المواقف؟

وإذا كانت ملاحظات الرئيس أوباما تفترض وجود من يولد ناقما على الولايات المتحدة، فإن هذه الفرضية خاطئة، ولكن الجميع يعلم أن الولايات المتحدة قد استخدمت حق laquo;الفيتوraquo; أكثر من 36 مرة لدعم laquo;إسرائيلraquo; كي ترتكب جرائمها ضد المدنيين العرب في فلسطين وجنوب لبنان وغزة.

وسواء شاء البعض أم أبوا، فإن المسجد الأقصى هو ثاني القبلتين وثالث الحرمين، وأن المسلمين والمسيحيين كانوا يحجون إلى القدس قبل الاحتلال الإسرائيلي لها، وملايين القلوب المؤمنة منذ 40 عاما تهفو إلى القدس، وتتوق لتخليصها من احتلال عنصري مدمر، كما أن ملايين المسلمين يعلمون علم اليقين أن الدول التي تدق طبول الحرب على إيران، بحجة إمكانية امتلاك السلاح النووي، هي نفسها التي زودت laquo;إسرائيلraquo; بالسلاح النووي، وقدمت لها المعرفة والتجهيزات واليورانيوم، لتصبح دولة نووية غير موقِّعة على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.

إن المفارقة في الموقف من laquo;إسرائيل نوويةraquo;، مقارنة بإيران التي تطمح إلى امتلاك الطاقة السلمية، هي مفارقة في الموقف من المسلمين ومن غير المسلمين، والمظلومون جميعا يرون ويسمعون ويفهمون ولكنهم غير قادرين على إنصاف أنفسهم، ويتوقعون من الولايات المتحدة أن تطبق فعلا ما قاله الرئيس أوباما في ملاحظاته ذاتها في 7 يناير (كانون الثاني) 2010، وهي laquo;أن الولايات المتحدة مع هؤلاء الذين يبحثون عن العدالة والتقدمraquo;، إذا كانت الولايات المتحدة تقف مع الباحثين عن العدالة، فإن الشعب الفلسطيني يأتي في طليعة هؤلاء، وإن الوقوف مع هذا الشعب المظلوم قادر على اجتثاث جذور إحباط المسلمين وفقدانهم للأمل.

لقد أصاب تقرير بيكر، عندما ذكر أن جوهر القضايا هو قضية العدالة في فلسطين وإحقاق العدالة هناك، وهو أقل كلفة وأبلغ أثرا في محاربة النقمة والعنف والغضب والإحباط، فهل يمكن التفكير بشكل استراتيجي من أجل خلق أمل في النفوس المحبطة بأن القوة العظمى عادت إلى طريق دعم المطالبين بالعدل والحرية والكرامة الإنسانية.

دومينو العنف والإرهاب ينتقل من بلد إلى آخر، وعلاجه يجب ألا يكون استخباراتيا، بل استراتيجيا، يعتمد الأسس الأخلاقية في دعم حرية الإنسان وكرامته وحقه في العيش من دون احتلال، أو تمييز، أو قمع، أو إذلال، قد يكون هذا هو المؤشر الأهم لتحقيق الأمن والأمان ليس لشعب الولايات المتحدة فقط وإنما للعالم برمته.