وفيق السامرائي

بعد أربع سنوات من انتخابات، كان للاتفاقات والتكتلات التي أعقبتها دور في تصاعد العنف، وبدل الاستفادة من التجارب المريرة، التي دفع ثمنها الأبرياء والفقراء، وليس بعض السياسيين المحصنين خلف الأسوار، يبدو أن التاريخ يتجدد بمحاولات مكشوفة لإعادة التكتلات التي ترتقي إلى مستوى التآمر، ومنع قوى وطنية فاعلة من المشاركة.

الانتخابات سمة واضحة من سمات التطور الديمقراطي، ولا خلاف على ذلك، شريطة أن تؤدي إلى التناغم الوطني، والانسجام بين شرائح المجتمع. ومن الطبيعي أن تخضع الأقلية لرأي الأغلبية، عندما يكون الخضوع وفق معادلات ومعطيات سياسية، لا وفق حسابات طائفية وعرقية. أما إذا فهمت الأغلبية على أساس الدين والمذهب والعرق، فإنها تؤدي إلى الظلم بمؤدياته المعروفة.

بعد زيارته للسيستاني الأسبوع الماضي، أشار المالكي إلى أن المرجع الشيعي يدعم (أي) خطوة لإيجاد تقارب بين ائتلاف دولة القانون والائتلاف الوطني، موضحا أن الأيام المقبلة ستشهد حالة من التوحد والتفاهم بين الائتلافين. وحسنا فعل قادة في الائتلاف برفضهم تراجع المالكي، الذي ركبه الغرور بلا مقومات. على أمل أن يكون الرفض مبنيا على فهم الضرورات الوطنية القصوى، وليس وفق حسابات الربح والخسارة، بعد تدحرج المالكي بنهج لا مثيل له من الفئوية والطائفية والتجاوز على الثوابت الوطنية والإنسانية الراسخة. لكن الشك في حالة التمسك بعدم التحالف بعد الانتخابات لا يزال قائما.

والسؤال الأول هو: لماذا تحرص (أطراف) في الأحزاب الدينية على تكوين جبهة واحدة؟ الجواب بسيط: لأنها تريد تحقيق أغلبية برلمانية تساعدها على تشكيل الحكومة، وفرض الهيمنة من خلالها على البلد. وعندئذ يُقرأ على المصالحة والديمقراطية المفترضة السلام. فاتفاق الائتلافين سيؤمن لهما تحقيق النجاح في تكوين الكتلة الكبرى الفائزة في الانتخابات، ويضمن تكليف الكتلة تشكيل الحكومة وتسمية رئيس الوزراء منها، لأغراض طائفية لا سياسية.

مع ذلك، فإن فوز الائتلافين لا يؤمن لهما تشكيل الحكومة، إلا إذا جرى الاتفاق والتكتل مع كتلة سياسية ثالثة كبيرة، لتأمين الأصوات اللازمة. وهنا تبرز مشكلة كبيرة، فاتفاق أي من الكتلتين المتبقيتين (الحركة الوطنية أو التحالف الكردستاني) مع الكتلة الشيعية دون مراعاة مصالح الأخرى، سيفسَر من منطلق تآمري، وعندئذ تضرب الوحدة الوطنية في الصميم. وبما أن احتمالات التوافق الكردي الشيعي هي الأرجح، فإن البلد سيدخل في أزمة لا يمكن لأحد التكهن بأبعادها وتحديد مخاطرها.

الجانب الآخر الحيوي يتعلق بعمليات الإقصاء المبرمج لشخصيات ذات توجهات ليبرالية وطنية، وغالبيتهم من الشريحة المستهدفة، فقد بلغ تفسير القوانين والفقرات الدستورية حدا انتقائيا خطيرا، ولم يعد الأمر يتعلق بدرجات حزبية معينة من البعثيين، بل تعداه إلى مصطلحات غريبة تدل على تعمد مسبق في سوق مبررات غير منطقية، كأن يقال إن فلانا (يتعاطف) مع البعثيين أو يدافع عنهم.

والسؤال الثاني هو: إذا كانت التفسيرات اتسعت لتشمل قوى لمجرد اتهامها (بالتعاطف) مع البعثيين، على الرغم من مشاركتها في العملية السياسية، فكيف سيكون الوضع فيما لو تمكنت القوى الطائفية من الاستئثار بالحكم وتقوية سيطرتها على أجهزة الدولة ومؤسساتها بعد أربع سنوات أخرى؟

إذا كان التعاطف مع المظلومين من عموم البعثيين يصل إلى مستوى التجريم، مع التشديد على كلمة التجريم، لأنه لا يجوز حرمان أحد من ممارسة حقوقه الوطنية من دون جريمة، فيفترض تطبيق ذلك على الأحزاب الطائفية التي تهدد الوحدة الوطنية وتمزق نسيجها، وتطبيقه على الجماعات التي لم يكن معها قتال أصلا، وقاتلت القوات العراقية مع قوات الباسداران، وعملت كمجموعات قتالية خاصة بإمرة فيلق القدس ضد المصالح والمنشآت العراقية.

وإذا كان لهيئة النزاهة سلطة حرمان الشخص من الترشح للانتخابات على خلفية إثراء غير مشروع وفساد، فلماذا لم تبدأ بالمفاصل الحكومية العليا بسبب التهمة ذاتها أو بسبب التستر على المفسدين؟

وهل يسمح القانون العراقي بالتعامل مع حركة إرهابية إجرامية مثل عصائب أهل الحق؟ ولماذا لا يطبق الانفتاح على حركات من الشريحة الأخرى التي لم يثبت عليها ما يقارن بما قامت به عصائب إجرامية؟

ليس أمام ائتلاف ما يسمى دولة القانون إلا التفكك، قبل تلقي الضربة القاضية بإخضاع الفريق الدعوي (المصغر) لمساءلة لن ينفك أهل الضحايا والمظلومون عن تحقيقها، وفق لائحة طويلة لم يشهد لها تاريخ المساءلات العربية مثيلا.

ولم يبق إلا دعوة قوى الاعتدال الوطني في التحالف الكردستاني والائتلاف الوطني للتنبه إلى خطورة التعويل على المكاسب. فالعراق لا يحكم إلا من قبل الجميع بروح علمانية. أما الشريحة التي تشعر بالإحباط، فلها أن تدرك قدرة الممارسات الديمقراطية (النشطة) على ضمان حقوقها، فطهران متغيرة حتما وأمتكم باقية.