عبد الوهاب بدرخان

باراك أوباما غاضب لأن نظامه الأمني لم يعمل في الوقت المناسب، بل أخفق في التقاط النيجيري المفخخ لإسقاط الطائرة بركابها. quot;القاعدةquot; متهللة لأن نظامها الترهيبي يعمل، بل استطاع خداع الأجهزة وقتل عدداً من العاملين فيها. العرب والمسلمون غاضبون لأن أميركا مستمرة في دفعهم إلى حرب يائسة لا تفلح في أي تغيير. فالعقلية هي هي سواء في الجانب الذي يمثل الدولة، بل الدولة العظمى، أو الجانب الذي يمثل التنظيم الإرهابي ولا يمكن التعويل عليه في شيء.

إذا كانت الحرب سجالاً فإن quot;القاعدةquot; تبدو رابحة لأنها -وبئس المصير- لا تزال تستحوذ على العقول والقلوب التي تحتاجها ولا تهتم بالعقول والقلوب التي تمقتها. أما الدولة العظمى فما تنفك تخسر، تحديداً لأنها تعجز عن أي إنجاز سياسي يمكن أن يغير المشهد الذي أتاح لـquot;القاعدةquot; أن تظهر، ويتساوى في العجز أن تكون قيادة أميركا في يد هذا الرئيس أو ذاك. من الطبيعي أن يكون العرب والمسلمون والعالم سئموا هذه المنازلة البائسة. ففي أسوأ الأحوال هناك عقول سقيمة راهنت على أسامة بن لادن، بل تراهن الآن حتى على -ولا مؤاخذة- أنور العولقي، لأنها بصراحة لا تتوقع أي خبر طيب من إدارة أوباما. وفي أفضل الأحوال هناك بين العرب والمسلمين عقول وقلوب تأمل بأن يدرك الأميركيون والإسرائيليون والأوروبيون ضرورة تغيير الطريقة والأهداف، وإلا فإن التيار quot;القاعديquot; سيواصل إحراز اختراقات.

الواضح حتى الآن أن الأميركيين والإسرائيليين والأوروبيين مصممون على أن لا يفعلوا إلا ما يبرر البنلادنية ويغذيها، لأنها بدورها تبرر إصرارهم على ارتكاب السياسات ذاتها، معتقدين أنهم لا يفعلون إلا الصواب، وإليكم عينة على سبيل المثال: تجديد المفاوضات الفلسطينية -الإسرائيلية على أمل أن تحقق النتائج التي كان يؤمل بإنجازها قبل ما يقارب العقدين. إذاً يمكن للمفاوضات أن تستأنف رغم أن الإسرائيلي لا يزال مصمماً على إدامة الاحتلال بأي شكل، ورغم أن الفلسطيني لا يزال يطالب بإنهاء الاحتلال بأي شكل.

لو كانت المسألة تتعلق فعلاً بتطبيق القانون الدولي لما كان هناك أي غموض أو إشكال، إلا أن التفاوض -كما عُرف واختُبر وفشل- كان يتعلق بتطبيق إملاءات الأمر الواقع وترجيح معطيات موازين القوى، وهذه لا تعني سوى أن منطق القوي المحتل هو الذي يجب أن يسود. صحيح أنه لا يؤمن العدالة ولا السلام، لكن القوى الدولية اعتادت على مكافأة القوي لا على تغليب الحق والعدل. ماذا يعني ذلك؟ إنه يعني، للأسف، أن جماعات الإرهاب فهمت السياسة الدولية ويئست منها إلى حد مقاتلتها بلا أي روادع أو ضوابط، أما الحكومات معتدلة أو ممانعة فتحاول التعامل مع هذه السياسة متخبطة بين اليأس والآمال والأوهام. لا أحد يراهن على quot;انتصاراتquot; تحرزها quot;القاعدةquot;. الكل يراهن على quot;صحوةquot; لدى القوى الدولية أقله لتثبت أنها معنية فعلاً بالمبادئ -الحق والعدل والقانون- التي تدعي تمثيلها.

الحرب على الإرهاب سقطت عندما تحولت مجرد عدَّاد آلي للقتلى والجرحى والمهجرين. على مدى أسابيع ناقش أوباما استراتيجية جديدة لأفغانستان. كان يريد أن يعرف مسبقاً لماذا يحتاج حقل الرماية إلى هذا العدد من الجنود الإضافيين وكم عليهم أن يقتلوا حتى تستتب الأمور. هذا تحديداً ما فعله الإسرائيليون عندما أقنعوا جورج بوش بأن الصراع مع الفلسطينيين هو مجرد حرب على الإرهاب. فمجلس الوزراء الإسرائيلي يجتمع لاتخاذ قرارات بالقتل متسائلاً دائماً عن العدد المناسب للقتلى كي يكون quot;النصرquot; في متناول اليد. هذا ما فعله آرييل شارون حين أطلق يد شاؤول موفاز في الضفة، وما فعله أيهود أولمرت حين أطلق يد عمير بيرتس في لبنان ثم أيهود باراك في غزة. الأمر يتعلق فقط بعدد القتلى، وبذلك زالت الفوارق بين quot;القاعدةquot; ومطارديها.

خطير جداً أن تستأنف المفاوضات من دون أن تكون العقلية الإسرائيلية تغيرت قيد أنملة باتجاه إنهاء الاحتلال وإقامة السلام. وخطير جداً أن تصبح المفاوضات وسيلة لمزيد من التيئيس لا لمزيد من الأمل. والأخطر، في الحالة الفلسطينية، أن تجرى المفاوضات في ظل حصار مفروض على غزة، فهذا وحده كفيل بإفشالها فلسطينياً، وهذا ما يريده الإسرائيليون.