محمد اليامي

لم يكن مفاجئاً ان الأمور أخذت منحى مختلفاً عن السائد اجتماعياً، وثقافياً بعد ازمة الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، وهو انعطاف بدأت ارهاصاته مطلع العقد الذي سبقه، لكن الأحداث سرّعت وتيرة بعض الاشياء.

المفاجئ للمتفائلين هو ان المشكلات البنيوية لم تتغير كثيراً على المستويين الاجتماعي والثقافي، على رغم نجاح التغير على المستويين السياسي والاقتصادي، وهما المستويان اللذان أثبتا مرونة دون اخلال بالقوة، وقدرات على التكيف والتطور والانفتاح على الاصلاح بنيوياً وتنفيذياً.

ويبدو لي ان مشكلة مسيرتنا الثقافية، وصنوها الناتج منها دوماً المسيرة الاجتماعية أنها تعاملت مع البناء التراكمي لهما على اساس الانعطافات، او المنعطف الحاد، بالمعنى نفسه المستخدم في انظمة السير والمرور للكلمة، إذ كانت الصحوة التي مارسها الكثيرون دون ان يعرفوا من اي غفوة هي، او من اي نوم يهربون، وسيطرت وغلبت إلى حد كبير ثقافياً واجتماعياً، وهي في نشوتها تأتي الحداثة لتحاول ان تدخل الى الذهنية الجمعية، لكنها أخطأت البوابة، فجاءت من الجهات الحساسة، الدين، الثقافة، الابداع، المرأة، ثم دار الزمن، وتم laquo;الانعطاف مجدداً الى ما لا اعرف له تسمية واضحة لكنه يشبه laquo;اللاصحوةraquo;، ويقارب الحداثة ممزوجة بـ laquo;التشفيraquo;.

أتخيّل فقط ان البوابة المستخدمة كانت الاقتصاد، المسار الذي يبني الأمم، ثم أتخيل ان التطورات لم تكن انعطافات من طرق الى أخرى ومحاولة اقناع الناس بالاتباع، بل كانت بناءات جديدة على الطريق ذاتها، ثم توسعة الطريق من مسار الى اثنين، ثلاثة، حتى يصبح laquo;اوتوسترادraquo; يسابق فيه الجميع الريح نحو التحضر.

ملامح الفشل الاجتماعي والثقافي، واضحة، فالذوبان في نسيج لا يعترف بالفروقات تبعاً للعرق والقبيلة لم يحقق تقدماً يذكر، والانفتاح على انتاجات وابداعات ثقافية لأبنائنا وبناتنا لا يزال حذراً، وحتى من في عقله هاجس اختلاف، يفضل الائتلاف مع محيطه حتى يخلق الله ما لا تعلمون.

وحده الاقتصاد، وعالم الأعمال والمال كان يتطور، وفيه ثقافة يعتقد الغالبية انها حكر على ارباب التجارة والصناعة، فابتعدوا عنها، ولو اقتربوا منها او قاربوا مبادئها وثقافتها، لتغيرت طبيعة تعامل الناس مع دلالات حضارية تسير نحو حداثة حقة مثل الانتاج واحترام الابداع وحفظ حقوق الملكية، والشفافية ومبادئ السوق التي تدرس في الجامعات او حتى في ممرات الاسواق الشعبية.

ما نعتقده من laquo;تطورraquo; فكري لا يزال محصوراً الى حد ما في نخب ثقافية وفكرية، اما أرض الواقع التي تضم كل أطياف وأنواع البشر ففيها تظهر نتيجة التفكير بطريقة laquo;الانعطافraquo;، وليس التفكير بطريقة البناء والتوسع على الطريق نفسها.