بدرية البشر

سعود عمره 17 عاماً، سافر مبتعثاً للدراسة في الولايات المتحدة، ليس لأنه شاب متفوق وشغوف بالعلم، بل لأن والده يعرف واحداً في الوزارة. أمضى سعود ستة أشهر درس في جامعة أميركية، وحتى اليوم وهو مأخوذ بالتجربة، تجربة الاستقلالية والعيش بلا والدين وبالمدينة وبالجامعة المدهشة التي لا مراقبين فيها ولا وشاة، الولاية جميلة والأميركان (فرند لي) كما يقول عنهم، لكن لدى سعود مشكلة واحدة لكنها كبيرة، وهي أنه كلما قابلته مشكلة تقنية أو إدارية، سأل من حوله laquo;تعرف أحداً؟raquo;، وحتى حين يقولون له laquo;إيه نعرف أحداً، عندك المشرف فلان طيب وممتاز ومتعاونraquo;، فإنه يهرع إليه، لا لكي يسأله عن الجزء الناقص في المشكلة ويحلها، بل ليفتش عن الثغرة المفتوحة، ليمرق منها ويستثنيه القانون، ومن سوء حظه أن الأجزاء الناقصة في نظام دراسته وأدائه عدة، بينما الثغرات التي يمكن له أن يمرق منها غير موجودة. وحين لا يساعده المشرف الذين يقولون عنه laquo;حبيّبraquo; يصبح (ابن... وما يسوى)، وحين تتعقد الأمور، فإن سعود يفتش عن المدير ليشتكي، وحين يقولون له laquo;أبرك الساعات تعالى علمنا وش مشكلتك؟raquo;، يكتشفون أنه تجاوز المدة القانونية لاختبار معين أو في نسبة الحضور، فيعتذرون بقوة ويقولون له laquo;مستر سعود الحل ليس في يدناraquo;!

يشعر سعود بأنهم يحترمونه أكثر في الدقائق ما قبل طرده، فيقولون له laquo;مستر سعود هذا هو النظام، لكن هناك حلاً آخرraquo; فيفرح سعود، يقولون laquo;تستطيع أن تتجه للمكان الفلاني وتكمل درجاتك الناقصة، أو تبذل جهداً أكبر، ولكن في محل آخر أقل مما أنت فيهraquo;، فيخرج سعود من الجامعة غاضباً، وحين يسأله زملاؤه عما حدث، فهو لا يحدثهم عن صعوبة الحل والمسؤولية، بل يحدثهم عن اتساع رقعة المشكلة، ولهذا يبقى دائماً سعود في دائرة laquo;إن عنده مشكلةraquo;. ولو سألت سعود عن جوهر المشكلة الذي لو عرفناه لصار laquo;ما فيه مشكلةraquo;، لقال لك شيئاً واحداً إن المشكلة هي laquo;أن أميركا فيها عيب واحد بس وهو أن ما عندهم قصة تعرف أحداً في المكان الفلانيraquo;، آخ لو عندك أحد تعرفه في إدارة الوثائق، وواحد تعرفه في المرور، وواحد تعرفه في شؤون الطلاب، وواحد تعرفه في الخطوط. لو كان فيه كل هؤلاء لصارت أميركا جنة، لكن المثل عند سعود ما زال يقول: (الزين ما يكمل)، يعني ببساطة ما تعلّم شيئاً.