هدى الحسيني

انتهى عام 2009، وانتهت معه المهلة المعطاة لإيران لتقبل بالحوافز الأميركية والأوروبية حول برنامجها النووي، لكن لم تتوصل الدول بعد إلى توافق حول هذا الأمر، وإن كان بعض التقارير أشار إلى أن الولايات المتحدة مددت المهلة لإيران إلى ما بعد الثاني والعشرين من هذا الشهر، كي تأتي برد. هناك تفكير أميركي بإعطاء المجال للداخل الإيراني، أي المظاهرات، لتعرف توجهها، وتواصل استنزاف النظام من الداخل، ولهذا أسكتت إدارة الرئيس باراك أوباما الرغبة التي أبداها السيناتور جون كيري بالتوجه إلى إيران، مستعيدا دوره في أفغانستان الذي أوصل إلى تسوية بين الرئيس حميد كرزاي ومنافسه وزير الخارجية السابق عبد الله عبد الله.

لكن هذا لا يعني أن المسألة الإيرانية متروكة للداخل؛ إذ قرر عضو الكونغرس الجمهوري غريشام باريت إعادة تقديم قانون laquo;منع دخول الإرهابيينraquo;، الذي كان اقترحه عام 2003، وإذا تم تمرير القانون سيتم ترحيل كل الإيرانيين الذين دخلوا الولايات المتحدة كطلاب، أو سياح، أو في تبادل التأشيرات، أو عبر تأشيرات لعمل مؤقت. لكن هذا القانون لن يقتصر على الإيرانيين، بل سيشمل أيضا رعايا كل من كوبا والسودان وسورية واليمن.

رئيس المجلس الوطني الإيراني - الأميركي، المقرب من الإدارة الأميركية، الدكتور تريتا بارسي تحرك لمواجهة هذا القانون، وقال لي: laquo;إن توقيت السيناتور كيري في محاولة الذهاب إلى إيران خاطئ ويسبب المشكلات، وإن كان يعتمد على الهدف. لكن لماذا الآن؟raquo;

أما رده على قرار عضو الكونغرس باريت فإنه لا يعالج القلق الأمني الذي تشعر به أميركا، وإن طرد الإيرانيين، على الرغم من أن لديهم تأشيرات رسمية، لا علاقة له بالواقع.

وعن عدم التوصل إلى توافق حول التعاطي مع إيران، يرى بارسي أن هناك الكثير مما يجري خلف الكواليس ولا يعرفه الكثيرون، لأن الإدارة الأميركية ملتزمة الصمت حول الدبلوماسية الدائرة سرا. يؤكد بارسي أن المسار الذي وُضع للانفتاح على إيران أميركيا لم يجر التراجع عنه ولم يصل إلى طريق مسدود: laquo;هناك رسائل متبادلة بين الطرفين، الهدف منها إنقاذ المفاوضات التي جرت في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن المشكلة أن القيادة الإيرانية لا تتكلم الآن بصوت واحدraquo;.

من المؤكد أن أميركا تريد تجنب الحرب مع إيران، لكن إسرائيل قالت إنه ما لم يتم وضع حد للنشاط النووي الإيراني، فإنه لا خيار أمامها سوى القيام بغارات جوية لتحييد البرنامج. وعلى الرغم من رغبتها الملحة في تجنب الحرب، فإن الولايات المتحدة تدرك أنه إذا أقدمت إسرائيل على مثل هذه الخطوة فإن عليها المشاركة لسببين رئيسيين: الأول، أن إسرائيل لا تملك القوة الكافية لتدمير البرنامج النووي الإيراني، والثاني، لأن إيران قد تنجح في تنفيذ بعض تهديداتها، وأحدها إغلاق مضيق هرمز، وهذا يعني ضرب الانتعاش الاقتصادي العالمي عبر رفع أسعار النفط، وواشنطن لا تريد أن يرتفع سعر النفط، لأن انخفاض سعره هو الوسيلة الوحيدة لشل النظام الإيراني.

هناك من يرى أن لروسيا دورا غير مباشر في التحريض الإسرائيلي، فهي تضخم الخطر الإيراني، وتشجع طهران على الاستمرار في تحديها، وذلك كجزء من خطتها إبقاء الأميركيين متورطين في الشرق الأوسط.

يستبعد الدكتور تريتا بارسي أن يكون الروس يقومون بهذا عن سابق تصور وتصميم، وإنما كنتيجة للصعوبات والخلافات بين أميركا وإيران laquo;فإن هناك عدة دول تستفيد من هذا الصراع، وروسيا واحدة منهاraquo; ويضيف: laquo;هناك دول يناسبها أن يبقى العداء مستعرا بين واشنطن وطهران. مثلا هناك قلق لدى بعض الدول العربية من احتمال أن يأتي الحل للمشكلات بين أميركا وإيران على حسابهاraquo;. وأسأله عن احتمال قيام علاقة بين أميركا والنظام الحالي في إيران فيجيب: laquo;لا أرى أنه يمكن للنظام الإيراني أن يدوم بهذا الشكل، فهو فقد شرعيته في نظر الكثير من الإيرانيين، وفضح ضعفه باللجوء إلى القوة والقمع في مطاردة المتظاهرين، ولو بقي لفترة، فإنه عاجز عن اتخاذ أي قرارraquo;.

من جهة أخرى، جرت laquo;تمارينraquo; فرضية (Simulations) تصورت نشوء أزمة نووية مع إيران. أحد التمارين جرى في جامعة هارفارد - كلية كينيدي للعلوم الحكومية، وقام بدور الرئيس أوباما، نيكولا بيرنز الذي عمل وكيلا في وزارة الخارجية، وقام بدور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو السفير الإسرائيلي السابق لدى الأمم المتحدة دوري غولد. توصل المشاركون في هذا التمرين إلى أن الرئيس أوباما أبدى تعاطفا؛ إنما رفض أن يتفهم وضع إسرائيل.

وانتهى التمرين، بأن أوباما سيطلب استعمال حق النقض ضد أي هجوم إسرائيلي على إيران، وعندما رفض نتنياهو، قطع البيت الأبيض تحالفه مع إسرائيل وأنهى كل تعاون معها.

نتائج laquo;التمرينraquo; الذي جرى في هارفارد وصلت إلى الحكومتين الأميركية والإسرائيلية. وكان جرى laquo;تمرينraquo; مماثل في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) في مؤسسة دراسات الأمن القومي في إسرائيل، شارك فيه دبلوماسيون وعسكريون إسرائيليون، وفي ذلك التمرين تعجز القيادة الإسرائيلية عن إقناع إدارة أوباما بدعم أي هجوم على إيران، وتوصل المشاركون إلى أن أوباما قد يقبل بإيران نووية، ومن المحتمل أن يتوصل إلى صفقة مع طهران يسمح عبرها لإيران بالاحتفاظ بأسلحتها النووية. وقال المشاركون: laquo;إن أي صفقة أميركية - إيرانية ستمنع إسرائيل من القيام بأي غارات على إيرانraquo;.

الدكتور تريتا بارسي يؤكد أنه لا يمكن للولايات المتحدة وفي ظل أي إدارة أو أية ظروف أن تقبل بإيران نووية، ويرى أن الخلافات بين أميركا وإسرائيل قائمة laquo;وهي عميقة جداraquo; والأسباب كثيرة، من بينها إيران. في هذه الأثناء تستمر الاضطرابات في إيران، ويستمر النظام في اعتقال كل من يسقط بين يديه. ولم يتردد في اعتقال الأمهات الثكالى، وعدد جديد من الصحافيين، ومستشاري مير حسين موسوي، كما اعتقل 12 شخصا من أتباع الديانة البهائية. لكن ظهر بعض التناقض الذي قد يكون يخفي محاولات لتسوية ما؛ إذ يوم السبت الماضي لدى استقباله مجموعة من قادة الحرس الثوري وميليشيا الباسيج برفقة عائلاتهم، دعا مرشد الثورة آية الله علي خامنئي إلى استعمال المزيد من البطش والقمع في مواجهة المتظاهرين، وفي الوقت نفسه حذر الموالين للحكومة، من غير المسؤولين، كبادرة منه للتجاوب مع طلبات موسوي وكروبي، من اتخاذ أي إجراء بأنفسهم ضد المتظاهرين.

لكن يوم الأحد الماضي، اعترفت لجنة برلمانية إيرانية بأن السلطات لجأت إلى المزيد من العنف مما أدى إلى مقتل ثلاثة سجناء تحت التعذيب. وحمّلت المسؤولية لمدعي عام طهران السابق سعيد مرتضوي المقرب من الرئيس محمود أحمدي نجاد، غير أن اللجنة رفضت ادعاء المعتقلين بأنهم تعرضوا للاغتصاب على الرغم من أن ثلاثة من المعتقلين السابقين كشفوا عن هذه الاتهامات علنا.

السؤال هو: هل هذه محاولات لتهدئة المعارضة أم إنه تكتيك مزدوج؟ يقول الدكتور بارسي: laquo;هناك محاولات للتوصل إلى تسوية بين المعارضة والحكومة، فما من طرف استطاع الحسم، وما نراه الآن هو جزء من المساومات؛ ماذا يمكن لكل طرف أن يأخذ أو أن يعطي الطرف الآخرraquo;.

وأسأله: laquo;في البداية كان المتظاهرون يطالبون بتصحيح نتائج الانتخابات. الآن صاروا تقريبا يطالبون بتغيير النظام؟raquo; يوافق ويضيف: laquo;يظهر هذا التحول وكأنه ينسف محاولات موسوي، لكن في الوقت نفسه يقويه؛ إذ قد يستعمل التوجه الجديد كنتيجة لعدم التوصل إلى تسوية، ولهذا صارت المعارضة أكثر راديكالية وتطالب بمواقع القائمين على الحكمraquo;.

ينقص موسوي إظهاره أنه يقود الشارع الإيراني. قيادته لم تخضع بعد للتجربة لأنه لم تعرض عليه أي تسوية. في الوقت نفسه قال مهدي كروبي يوم الاثنين الماضي إنه سيستمر في المعارضة غير عابئ بالنتائج، وكشف هذا عن نقص في الاتصال والتنسيق بينه وبين موسوي، ربما لنجاح الحرس الثوري في قطع كل وسائل الاتصال بينهما وتهديدهما بالقتل.

هل جاء إعلان كروبي يوم الاثنين لأن رائحة تسوية بين السلطة وموسوي وصلته؟ ولأنه يعرف أن قبضة النظام بدأت تضعف؟ أسأل بارسي فيقول: laquo;إن أي تغيير إيجابي في النظام يجب أن يأتي من الداخل، وأي تغيير (مقبول) يجب أن يأتي أيضا من الداخل. النظام ضعف وصار يتعرض للتحديraquo;.

السيناتور جون ماكين بعد جولة شرق أوسطية له، حملته إلى بغداد وبيروت، حيث للنفوذ الإيراني سطوة، قال إن أيام النظام الإسلامي في إيران صارت معدودة!