يوسف أبو لوز

من عاش في هاييتي يقول إنها أفقر بلد في أمريكا الوسطى، شعبها بسيط ومسالم، أما خصوصية هذا البلد الذي ضربه الزلزال أمس، ومع ساعات الفجر، فتكمن في طبيعته المكسوة بالغابات والشلالات والشطآن الزرقاء الفاتحة اللون.

صورة الطبيعة الخلاّبة هذه هي صورة السطح، أي كأن هذا الجمال الآسر هو قناع لا أكثر ولا أقل، أما الوجه الحقيقي للأرض فيبدو وكأنه في باطنها وليس في ظاهرها، وعندما تغضب الأرض تغضب من أحشائها التي تطلق حمم الزلازل والبراكين، ليتشوّه بعد ذلك، وجه الطبيعة الأخضر.

في الصباح الباكر، كان بلد بأكمله يبكي. أطفال أكملوا نومهم الصباحي في سرير الموت، وأشجار لم تقو على الوقوف، فقد ضربت من سيقانها.. بيوت وبشر وحيوانات وأنهار كلها كانت في فم الزلزال.

صورة روائية تراجيدية ربما لن تتحقق لها الكتابة بقلم الروائي العالمي غابرييل غارسيا ماركيز المريض الآن، والذي كان حلمه أن يعيش ويكتب في هاييتي بلد الموسيقا الأكثر انتشاراً في القوس الكاريبي.

ولكن من قال إن الرواية أو الشعر أو الفن عموماً لا يستطيع تضميد جراح الإنسان وكوكبه الأرضي، هذا المرشح دوماً للكوارث والأمراض والحروب.. فإذا كانت الأرض تذهب في المأساة وفي الملهاة معاً، فإن الفن يعكسهما إلى لغة هي أقرب إلى روح الإنسان.

لتكن ابتسامة إنسانية ولو مضمومة على الحزن بعد هذه الدموع والدماء في بلد فلسفة ldquo;الزومبيrdquo;، فماذا يفعل الإنسان حتى لو غضبت عليه أمّه الأرض.. هل يحملها مثل كيس من القطن ويرمي بها في المحيط؟

لا نستطيع الاستقواء على الجغرافي، فما تقوم عليه من وديان وبحار وجبال وغابات يسمى في النهاية ldquo;الوطنrdquo; الذي حتى لو أكلته الزلازل والحروب يظل مهد الإنسان وقبره.

هكذا وطن الإنسان ليس جغرافيته وتاريخه أو أحزانه ومسراته، فالوطن هو أيضاً وفوق ذلك فكرة جميلة، فكرة مثل طائر أخضر يظل رائعاً وحنوناً حتى لو غضبت الأرض في لحظة الفجر.