نايلة تويني

لسنا من هواة التشكيك في quot;المصالحاتquot; أو المصارحاتquot;، التي جرت وتجري بين قوى سياسية وحزبية، ولا نود تعكير الأهداف المعلنة لها خصوصاً متى كان عنوانها طيَ صفحات سوداء سالت فيها دماء لبنانيين وفتح صفحات بيضاء لا يكون الاحتكام فيها إلا إلى السلم الأهلي واعتماد الأساليب الديموقراطية في حق الاختلاف السياسي.
لكننا، في الوقت نفسه، لا يمكننا إلا أن نكون صادقين في نقل ما يساور الكثيرين، خصوصاً من الشباب اللبناني، من تساؤلات وشكوك محقة وجدية وحقيقية، كلما اجتمع زعماء وسياسيون تحت لافتة مصالحة أو مصارحة بين من كانوا حتى الأمس القريب في خنادق الخصومة والعداء، وحتى الاقتتال بالسلاح، لان الحوار الحقيقي لا يكون بالتستر على هذه الشكوك.
نسأل بصراحة هل يكفي اجتماع الزعماء لإقناع الناس بأن الذين سقطوا يوماً ما ضحايا خلافاتهم وانقساماتهم وولاءاتهم المتعددة وأنانياتهم، ستكون دماؤهم آخر المآسي ولن تتكرر التجربة مرة أخرى؟!
وبصريح العبارة، هل تكفي المصالحات بين quot;حزب اللهquot; وquot;أملquot; وquot;الحزب التقدمي الاشتراكيquot; وحدها لمنع تكرار ما جرى في 11 أيار 2008 في الضاحية والجبل؟
وهل، إذا ما توسعت مصالحات كهذه بين quot;حزب اللهquot; وquot;أملquot; وتيار quot;المستقبلquot;، تكون بيروت، وغيرها، قد طوت صفحة التقاتل والاحتقانات المذهبية إلى غير رجعة؟
ثم، هل يكفي أن يزور النائب وليد جنبلاط العماد ميشال عون، وان يردّ الأخير الزيارة للمختارة، لكي يعود من لم يعد بعد إلى الجبل من المهجرين؟ ولماذا لم تكفِ مصالحة الجبل للعام 2001 بعد لعودة المهجرين؟ ولماذا لا يزال عشرات الألوف من المهجرين ممتنعين عن العودة إلى قراهم ومنازلهم وأرزاقهم؟ ألا يدل ذلك، في الدرجة الأولى، إلى أن المصالحات لا تزال شكلية، وان quot;خيرهاquot; لم يتعمق بالمستوى الكافي، وان الاحتقانات والفرز والاصطفافات لا تزال قائمة في صفوف الناس؟
كل ذلك يجب أن يشكل هاجساً فعلياً وجدياً لا يكفي معه أن تصبح المصالحات مجرد quot;صورةquot; فولكلورية لتبويس اللحى والترحم على من قتلوا وسقطوا، ومن ثم إكمال النهج السياسي في اخذ الناس يوماً إلى هذه الناحية ويوماً إلى ناحية أخرى.
وإذا كان الجواب المنتظر التلقائي على هذا المنطق أن الزعماء يتلون فعل الندامة عن أخطاء تاريخية ارتكبوها في حق مواطنيهم، فهذا أمر جيد، ولكنه لن يكون الدواء الشافي والضمان النهائي لطي الصفحات الدامية في المستقبل. فليس هناك من ضمان حاسم لدى القيادات والزعماء. الضمان هو لدى الدولة وحدها، والتسليم لمشروع الدولة وتقويتها وجعلها تقف على رجليها فعلاً لا قولاً.
فكل يوم يسمع اللبنانيون عشرات التصريحات عن دعم الدولة، والمناداة بالدولة القوية والعادلة وقيام دولة المؤسسات الخ...، وعند التجربة الفعلية والمحك الجدّي لا نرى سوى الشدّ بمشروع الدولة إلى الوراء لمنع قيامه، وكأننا أمام لعبة تكاذب وازدواجية لا مثيل لها! فكيف يمكن إقناع الناس بأن المصالحات هي الطريق إلى السلم الأهلي الراسخ ما دامت الدولة هي الأضعف بين القوى السياسية، وما دامت لا تفرض قوانينها وحضورها القوي امنياً واقتصادياً وإنمائياً على الجميع؟
فمن اراد المصالحة الحقيقية عليه أن يسلم للدولة ويتصالح معها، وعندها لا تكون دماء الضحايا قد ذهبت إهداراً وعبثاً وحراماً.