خليل الزنجي

يعتبر كتابrdquo;الشيعة والدولة القوميةrdquo; لمؤلفه حسن العلوي وهو مفكر عراقي من اهم الكتب التي سدت جوعا كانت تعانيه المكتبة العربية في تناولها احدى الاشكالات الفكرية المهمة وهي ldquo;المسألة الشيعيةrdquo; في الواقع السياسي العربي نظراً للخلفية الايدلوجية (البعثية/القومية)التي ينطلق منها العلوي، والكتاب ازاح الكثير من الالتباس في مواقف الشيعة العرب تجاه قوميتهم بصورة علمية وموضوعية ،بعيدا عن الخطاب العاطفي المؤدلج لماهية الشيعة القومية.
واذا كان هذا الكتاب(الذي اتمنى من النخب الثقافية والسياسية في البحرين قراءته) سد نقصا مهما في المكتبة كما اسلفنا ،فان القول القاطع لسمو ولي العهد بشأن الانتماء القومي لشيعة البحرين قد دفع بهذا الانتماء الى فضاء اوسع في سماء الثقافة العربية بشقيها الرسمي والشعبي ،لتخترق الاعلام الذي تحدث عن جهل او سوء قصد لابعاد هذه الطائفة من محيطها القومي الى محيطات أخرى تلتقي معها فقط في الخط المذهبي العريض وتختلف معها في الكثير من التفاصيل الاجتماعية والثقافية بل حتى في منهجية الاستنباط الفقهي عبر المدرسة الاخبارية العربية والاصولية الايرانية.
ينبغي للمهتم بالشأن السياسي والاجتماعي المحلي الوقوف كثيرا على دلالة كلمات سمو ولي العهد بان الشيعة في البحرين لن يخلعوا لباسهم العربي بلباس ايراني بمجرد الالتقاء المذهبي بينهم، ومن هذه الدلالات ما يلي:
اولا: يعتبر كلام سموه مدخلا في انهاء القطيعة التاريخية بين الشيعة والنظام الرسمي العربي الذي امتد لقرون طويلة بسبب عوامل مجتمعة رغم وجود عقد اجتماعي ينظم هذه العلاقة خصوصا بعد بناء الدولة الحديثة في بدايات القرن الماضي ،وهذه القطيعة التاريخية احدثت فراغا واضحا يشبه ldquo;الفراغ الجغرافيrdquo; الذي احدثته الصحراء داخل الدولة القطرية العربية حسب نظرية د. محمد الانصاري في احد كتبه ، مما يعني ضرورة ـ ملء الفراغ- التي احدثته القطيعة بالذات في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها الدول العربية المشرقية.
ثانيا: جاء في كلام سمو ولي العهد نقطة بالغة الدلالة على التفريق بين الالتقاء الفكري الذي قد يحدث للشيعي او السني مع اطراف خارجية وبين الذوبان في هوية هذا الطرف الخارجي الذي قد يصل الى حد الانسلاخ من الذات والذوبان في هوية الاخر وهو التفسير الذي رفضه سمو ولي العهد لابناء شعبه من الشيعة.
ثالثاً: يتضح من خلال كلام سمو الامير سلمان معرفته الدقيقة للعوائل العربية الشيعية في البحرين المنحدرة من قبائل في شبه الجزيرة العربية والتي لاتختلف عن العوائل العربية السنية في بنيتها وتركيبها القبلي، وما تعنيه خطورة انكار عروبتهم والتي تعني ldquo;الشتيمة اللي ما فوقها فوقrdquo; في العرف القبلي ،لذلك فلا يقبل البحريني الشيعي مهما بلغ تشدده المذهبي باقصائه عن العروبة،وهو ما ادركه سمو ولي العهد في الرد على سؤال جزيل خوري عندما سألته عن الانتماء العروبي لشيعة البحرين ،فكان الرد ليس رد قائد سياسي فحسب ,وانما رد من لايرضى باهانة اهله وقبيلته،وهي احدى الخصال الشريفة التي تتميز بها القبيلة العربية.
رابعاً: لقد كان دفاع سمو ولي العهد عن عروبة الشيعة هي رسالة الى الداخل الشيعي ايضا ان لاينسى قوميته في خضم تنامي المد الطائفي في المنطقة،فالعرب انظمة وشعوبا، هم العمق الاستراتيجي للعرب الشيعة ،مهما بلغ حجم الاختلافات في الرؤى السياسية التي تنتهي بانتهاء مسبباتها.
وعطفا على هذا الدفاع من سموه ،فان التحدي الاكبر يبقى عند النخب السياسية والثقافية الشيعية لاظهار هذا الانتماء المتواري ، فالانتماء القومي ليس المشاركة في تظاهرة للقدس هنا وتظاهرة للبنان هناك ، وانما الانتماء بمعناه الانساني هو منظومة ثقافية واجتماعية وتاريخية ولغوية متداخله يربطها مصير مشترك واحد، وعلى هذه النخب ان تمارس دورها التوعوي في ابعاد السلوكيات التي قد تشير الى الانتماءات غير العربية مع الحفاظ على الخصوصية المذهبية ، في الوقت الذي نؤكد فيه على ان التراث الشيعي العربي غني بما يكفي الحفاظ على خصوصيته وتمايزه عن الشيعة من سائر القوميات والاعراق،وهذه ليست دعوة شوفينية قومية تجاه الاخر ،بل لان الشيعة العرب يعيشون اشكالية تواري القومية في الفعل الثقافي والاجتماعي مما يؤدي الى تصورات ذهنية تبعدهم عن محيطهم الام.