موفق محادين

تنقسم كثير من الاوساط الدينية بين فريقين او معسكرين كبيرين: المعسكر القائل بحوار الاديان والمعسكر القائل بصراعها, ويغفل الجانبان السياقات الاجتماعية والتاريخية التي تقود الى معسكر ثالث ينطلق من تداخل الاديان ومن وجود الصراع والوحدة في صلب هذا التداخل.

1- ابتداء باليهودية لا توجد يهودية واحدة بل يهوديات متأثرة بالثقافات التي عاصرتها.. فهناك اليهودية المصرية المستمدة بالكامل من تجربة التوحيد الاخناتونية وكان موسى وهو مصري احد قادتها... وهناك اليهودية المديانية او الشعيبية حيث تأثر موسى بعد هربه من مصر بهذه الديانة التي تنسب الى كاهن مدين, شعيب الذي كان يعيش في جنوب شرق الاردن حيث الاله يهوه.. وهناك اليهودية العسيرية واليمنية (من عسير) ثم اليهودية البابلية.. الخ.

2- ولدينا مسيحيات لا مسيحية واحدة من مسيحية متى العبراني الى مسيحية بولص الذي خلط الوثنية الرومانية مع التموزية الشرقية - الى مسيحية اريوس الاسكندراني الى المسيحية الفرعونية الى مسيحية انطاكية والرها الى مسيحية الثورة الصناعية.. وتتباين جميعها بين الطبيعة الالهية الواحدة للمسيح (اليعاقبه) وبين الطبيعتين (النساطرة) وبين الفيضية والحلولية (روح الله في جسد الانسان).. الخ.

3- كما شهد الاسلام تأويلات معروفة للجميع.

4- ومن اشكال التداخل الديني الاخرى: المانوية وهي خليط من تعاليم زرادشت والمجوس (ثنائية الخير والشر, الظلام والنور) ومن المسيحية الشرقية, بل ان سلمان الفارسي بدأ حياته مانوياً كما بدأ موسى حياته اخناتونياً وبالمثل فان السيخ او السيخية في البنجاب الهندية خليط من الهندوسية (الحلولية وتناسخ الارواح) ومن مدارس اسلامية (الايمان بالله وتحريم الخمر ولحم الخنزير.. الخ).

5- مقابل قواسم عديدة بين المسيحية والتشيع (التثليث) وطقوس الندم القرباني والمناخات الزراعية النهرية ثمة قواسم عديدة بين (بني اسرائيل) القدامى المذكورين في القرآن الكريم وبين تأويلات لاهل السنة والمناخات الرعوية والتجارية.. الخ.

6- ايضا فان الانقسامات الفقهية الاسلامية ليست سنية - شيعية بل موجودة عند الطرفين, فكما ينقسم اهل السنة بين القدرية او الا ارادية (الانسان مخير لا مسير) وبين الجبرية, كذلك اهل الشيعة خاصة موقفهم من ولاية الفقيه حيث يتبنى بعضهم هذه الولاية بمنطق ارادي قدري, ويرفضها آخرون حتى يأذن الله بها وليس الفقهاء..

7- ونختم بالموقف من الصوفية, فهي صوفيات وليس صوفية واحدة, فبعضها قد يخدم القوة السائدة من سلاطين آل عثمان الى الامريكان وبعض الانظمة (مصر مثلا) وبالمقابل هناك الصوفية المجاهدة مثل زوايا, القتال ضد الاستعمار الفرنسي والايطالي .