مشاري الذايدي


غالبا، لم يتدخل رجل دين في ترجيح طرف سياسي على طرف، أو يقحم نفسه في مسألة سياسية مستخدما حصانته ومكانته، إلا وعاد ذلك بالضرر على واقع السياسة وصورة الدين.

من أبرز الأمثلة عندنا الشيخ يوسف القرضاوي، وهو من أبرز فقهاء التيار الإسلامي، بل هو laquo;فقيه الصحوةraquo; على حد وصف الباحث معتز الخطيب في كتابه الخاص حسب استعراض المفكر رضوان السيد له قبل بضعة أيام في صحيفة laquo;الحياةraquo;.

القرضاوي في الفترة القريبة أصبح طرفا في أكثر من أزمة سياسية، فهو في خطبة الجمعة بالدوحة التي تحولت إلى بيان سياسي أسبوعي هاجم الرئيس الفلسطيني محمود عباس وانحاز لحماس، بل ودعا إلى معاقبة عباس بالرجم حد الموت، ودخل على خط الفاصل الحدودي المصري مع غزة، فقبل أيام، وبعد أن أصدر القرضاوي فتوى بأن قيام مصر ببناء جدار فولاذي على الحدود مع غزة laquo;محرم شرعاraquo;، أصدر أعضاء مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر فتوى عارضت القرضاوي، واعتبروا فيها أن فتواه خاطئة.

بأي صفة يجب علينا أن نتعامل مع آراء الشيخ القرضاوي هذه؟ بصفتها laquo;فتاوىraquo; مسنودة بحجة الدين والشريعة، أو laquo;آراءraquo; سياسية عرضة للتغير والتحول طبقا لمتغيرات السياسة؟

طبعا هي آراء سياسية وليست فتاوى تملك سلطانا خاصا به عن بقية الآراء السياسية، لكن المشكلة أن الجمهور، أو غالبهم، لا يتعامل معها بصفتها آراء سياسية لفاعل سياسي اسمه يوسف القرضاوي، بل هي عندهم توجيهات شيخ وفقيه، وهنا يكمن سبب التحذير الدائم من مغبة خوض رجل الدين في الخلافات السياسية.

الأمر لدى الشيخ القرضاوي نابع من طبيعة تكوينه الفكري السياسي الذي صنعته أدبيات الإخوان المسلمين. لكن ليس واجبا علينا أن نجاريه في تجربته التكوينية.

القرضاوي ليس وحده في هذا الخلط المزيج بين الدين والسياسة، بل لنقل إنها قراءة معينة للدين، بدليل أن هناك مشايخ ومفتين آخرين يخالفون القرضاوي وغيره من فقهاء الصحوة والإسلاميين، فهناك إيران الخمينية، وفي العراق اختلط الدين بالسياسة بالأحقاد ومارس رجال الدين من السنة والشيعة أدوارا أججت الأزمة أكثر، وعلى ذكر العراق، كلنا يعلم حجم التوتر الطائفي، والعداء المبطن بين لاعبيه السياسيين، للدرجة التي جعلت شخصا علمانيا مثل أحمد الجلبي يتمسح بعباءة المرجع السيستاني، وآخرين من السنة يستدعون مشايخهم هنا وهناك، الحالة الشيعية في العراق تلعب على استدعاء مشاعر التخويف من الآخر السني، وإدامة هذه المشاعر، لذلك جاءت تصريحات واعظ ديني سعودي هو محمد العريفي، في غير محلها وتوقيتها تماما، حين هاجم رمز الشيعة الديني السيستاني، في موسم انتخابي ساخن على الأبواب، وتحولت تصريحات العريفي إلى مادة انتخابية للأحزاب الشيعية، وكأنها هدية من السماء، طبعا لا أظن أن العريفي كان يقصد تقديم هذه الخدمات، لكن هذا ما جرى، الآن السعودية في مرمى النار الانتخابية الدعائية للأحزاب الشيعية، ومن تحصيل الحاصل أن نقول إن الغض من مقامات الرموز الدينية لدى أي مجتمع أمر مرفوض، دون أن يحول هذا بين ممارسة النقد العلمي.

ليت فقهاءنا أو وعاظنا يهدأون قليلا ويتفرغون لشرح الفقه أو إيقاظ المبادئ الأخلاقية العظمى في الدين بدل التورط في هذه المماحكات السياسية.