محمد عاكف جمال


الشرق الأوسط منطقة تزخر بالمشاكل، وقد ضاعفت السياسات الهوجاء التي مارستها الولايات المتحدة من هذه المشاكل وساهمت في تعميق بعضها، إلا أن أبرز مشكلتين تستقطبان اهتمام السياسيين ووسائل الإعلام، على المستوى العالمي، هما القضية الفلسطينية والبرنامج النووي الإيراني.

وقد حاول الرئيس الأميركي باراك أوباما أن يتميز عن سلفه في مقاربة هاتين القضيتين خلال حملته الانتخابية، ثم في الأشهر الأولى من وجوده في البيت الأبيض، وذلك بالانتقال من خطاب الوعيد إلى خطاب أكثر هدوءاً ومرونة. إلا أنه وبعد مرور سنة على تبوئه لأهم منصب في العالم، فإن هناك أكثر من مؤشر على أن أطروحاته قد بدأت تتراجع تدريجياً.

فهل سيعمد الرئيس أوباما إلى التقاط ما خلفه سلفه من سياسات سبق وأن اتخذ موقف المتحفظ إزاءها في حملته الانتخابية التي قادته إلى البيت الأبيض؟ فقد اتخذ أوباما قراراً بإرسال ثلاثين ألف جندي أميركي إضافي إلى أفغانستان، كما أرسل سلفه بوش عدداً مقارباً من القوات إلى العراق، وها هو يواجه استحقاقات سياساته في مهادنة إيران بدلاً من مواجهتها.

إذ عليه أن يتوصل، مع حلفائه، إلى صيغة جديدة للتعامل مع الملف النووي الإيراني بعد أن انتهت المهلة، بنهاية العام المنصرم، التي منحتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية لإيران للاستجابة للعرض الأخير الذي قدم لطهران، والمدعوم من الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي زائداً ألمانيا.

استجابة طهران للعرض كانت محبطة، فهي لم تبدد الشكوك حول حقيقة النوايا التي تكمن وراء برنامجها النووي، بل كانت محاولة جديدة للالتفاف عليه لإطالة فترة المحادثات في الوقت الذي تقترب فيه، حسب ما يراه الغرب، من أهدافها الطموحة، وهي فرض معادلة توازن جديدة في الشرق الأوسط بحيازتها للسلاح النووي.

مهمة مجلس الأمن الدولي لمواجة الصدود الإيراني سوف تكون صعبة، فأعضاؤه غير متفقين تماماً حول ما تطرحه الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون، على الرغم من شكوكهم في النوايا الإيرانية التي دفعتهم لتمرير جولات العقوبات الثلاث التي فرضها المجلس على إيران.

ومع ذلك فمن المرجح أن يصار إلى رفع سقف العقوبات، فالولايات المتحدة، رغم تراجع دورها في بعض مناطق العالم بسبب الأزمة المالية التي أرهقتها على مدى العام الماضي، لا تزال تمسك بزمام المبادرة في ما يتعلق بمقاربة البرنامج النووي الإيراني، فهي تقود جهوداً دولية للاستعداد لفرض الجولة الرابعة من العقوبات على طهران، مع أنها لا تزال تقوم بمحادثات غير معلنة معها وفق أنباء تسربت مؤخراً.

سياسة العصا والجزرة لا تزال معتمدة في التعامل مع الملف النووي الإيراني، فها هو الجنرال ديفيد بترايوس القائد العام للقوات المركزية الأميركية، يرفع هراوته في الحادي عشر من يناير الجاري حين يصرح، لمحطة سي إن إن الإخبارية، بأن واشنطن قد أعدت خطة طوارئ للتعامل مع البرنامج النووي الإيراني، في حال فشل الدبلوماسية والعقوبات في كبح جماحه، إلا أنه رفض أن يدلي بأية تفاصيل حول هذه الخطة.

كما أنه رفض التعليق على إمكانية قيام إسرائيل بعمل عسكري يستهدف المنشآت النووية الإيرانية، التي زاد احتمال القيام بها حين أبدى رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو حرصه على ضم حزب كاديما إلى حكومته، للحصول على إجماع لمواجهة تداعيات عمل عسكري كبير خارج الأراضي الإسرائيلية.

ولكن في ظل الأعباء العسكرية الكبيرة التي تتحملها الولايات المتحدة في العراق وفي أفغانستان وباكستان، وربما قريباً في اليمن أو في أماكن أخرى من العالم، فإن من المستبعد أن تعمد إلى خيار عسكري في وقت قريب.

خاصة أن الأوضاع غير المستقرة في منطقة الشرق الأوسط لا تشجع على ذلك، من جهة، كما أن خيار استخدام القوة قد أصبح أقل شعبية في معظم أنحاء العالم، وخاصة في الولايات المتحدة، من جهة أخرى.

التهديدات باستخدام القوة واستعراض العضلات في البحر وفي الجو، التي قامت وتقوم بها الولايات المتحدة، لم تثن إيران، على مدى الأعوام المنصرمة، عن عزمها.

ولعل تصريحات الجنرال بترايوس الأخيرة يمكن أن تقرأ بشكل أكثر دقة، على أنها مساعٍ في سياق خلق أجواء سياسية تشكل ضغوطاً على كل من روسيا والصين، لدفعهما إلى الموافقة على رفع سقف العقوبات التي تنوي الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون فرضها على إيران، فالقيام بعمل عسكري يستهدف إيران يلحق أضراراً بكل من روسيا والصين اللتين ترتبطان بعلاقات اقتصادية متينة مع طهران.

فمنذ عام 2006 فشلت ثلاث جولات من العقوبات فرضها مجلس الأمن الدولي على طهران، في إقناع إيران بمراعاة القلق الدولي بشأن برنامجها النووي. وخلال السنوات المنصرمة احتفظت الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، بخيار لم تستخدمه حتى الآن مؤجلة استخدامه لمرحلة لاحقة، وهو حزمة عقوبات لاستهداف شريان المشتقات النفطية الخارجية، خاصة الغازولين، التي تتدفق على إيران.

وهنا لا بد من الإشارة إلى النفط وإلى دوره في رسم السياسات التي تتأثر بها الدول المنتجة له والتي تعتمد بشكل أساسي عليه، فقد عمدت الدول الغربية لإسقاط حكومة الدكتور محمد مصدق في خمسينيات القرن المنصرم، حين منعت نفط إيران من الخروج عن طريق فرض حصار عليها لتدمير اقتصادها المعتمد أساساً على تصدير النفط، وقد تعمد الآن إلى استخدام النفط أيضاً، ولكن بمسار معاكس، وهو منع دخول مشتقاته إلى إيران لمفاقمة وضعها الداخلي غير المستقر.

تستورد إيران 33% من الغازولين الذي تستهلكه، ومن المتوقع أن تنخفض حاجتها للغازولين المستورد إلى 25%، إذا استكملت فعلاً تحديث مصافيها التسع في نهاية العام المنصرم، حسب ما نشرته وزارة النفط الإيرانية.

إلا أنها، رغم ذلك، لن تستطيع الهروب، في حالة فرض عقوبات بهذا الشأن، من أزمة وقود خانقة تعبث باقتصادها المتعب، خاصة في ظروف تواجه المؤسسة الدينية الحاكمة فيها تصاعداً خطيراً في نشاط المعارضة.

مجلس الأمن الدولي مطالب، في هذا السياق، باتخاذ موقف ينبثق عن رسالة المنظمة الدولية التي تعبر عن إرادة المجتمع الدولي، لا عن إرادة الأعضاء القلائل فيه فحسب، وهو اتخاذ قرارات لتحقيق أجواء سلمية عادلة في العالم أجمع. والمجلس مطالب كذلك بأن تكون قراراته في ما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط، داعمة لأن تكون هذه المنطقة خالية من السلاح النووي.