صلاح الجودر


القمة الثلاثون لمجلس التعاون الخليجي والتي أقيمت في دولة الكويت في شهر ديسمبر الماضي جاءت لتعيد النظر في المخاطر والمخاوف التي تحيط بالمنطقة التي نعيش فيها ونأكل من خيراتها وثرواتها، فالقمم الخليجية المتتالية قد أثبتت قدرتها على تحليل القضايا ووضع الحلول ومعالجة الملفات، فما حققه مجلس التعاون الخليجي منذ تأسيسه في عام 1981م إلى يومنا هذا يفوق ما حققته الكثير من التكتلات والتجمعات الدولية والإقليمية.
أبرز القضايا التي كانت على جدول أعمال المجلس بقمة الكويت والتي تضمنها البيان الختامي هي المسألة الأمنية، وهي من المسائل الشائكة والمعقدة اليوم والتي ترتبط بها قضايا أخرى، سياسية واجتماعية واقتصادية وغيرها، من هنا جاء نبذ المجلس الأعلى للتطرف والإرهاب بمختلف صوره وأشكاله، ودعا المجتمع الدولي للتعاون لمكافحته وتجفيف منابعه.
فالأمن الخليجي اليوم ضمن مفهوم العولمة والأقلمة لا ينفصل عن الأمن في أي بقعة من بقع العالم، فهو يؤثر ويتأثر بالمحيط والمتغيرات الدولية، فما يحدث في أوربا تتأثر به المنطقة، وما يحدث عنها يؤثر على الأوضاع في الصين، فهو عالم صغير تحول إلى قرية صغيرة، لذا تنطلق التحديات الخليجية لمواجهة الأفكار المستوردة والبرامج الهدامة التي تتبناها قوى raquo;التطرف والإرهابlaquo;، القوى التي أصبح لها في منطقتنا موطئ قدم منذ أواخر القرن الماضي لأسباب عدة، سيأتي سردها في مقال آخر!!، فقد قامت تلك القوى خلال سنوات بسيطة من نشر سموم التطرف والإرهاب والعنف والكراهية والتعصب في عقول الكثير من أبناء وشباب الأمة، وجميعها -للناظر والمتأمل- جاءت لهدف واحد وهو وضع العصا في عجلة التنمية والبناء والتطور، وإفساد حياة الناس المعيشية، ونهب خيرات المنطقة.
جماعات التكفير ومليشيات الطائفية وزعماء الخراب والدمار والعنف يسوؤهم أن يروا أبناء المنطقة وهم يتمتعون بتلك الخيرات والنعم، لذا يسعون بكل السبل إلى نشر المسائل الخلافية، وتصويرها بأنها من المسائل الكبرى المعقدة والتي لا يمكن علاجها، فيتم نبش الماضي واستجلاب بعض صور التاريخ الخلافية للتأكيد على تلك المسائل التدميرية.
ولمعرفة حقيقة التطرف والإرهاب التي ابتليت به المنطقة يمكن قياس ذلك من خلال النظر في عيون الشباب والناشئة وقراءة ما تحمله عقولهم من سموم وأدواء، وما تنطق به ألسنتهم وتكتبه أيديهم في المنتديات الالكترونية من تطاول على رموز الأمة ومفكريها، فالكثير من العقول تم أفسادها وتحويلها إلى ناسفات موقوتة معدة للتفجير عن بعد في أي وقت.
التطرف لا يمكن معالجته إلا من خلال الحوار والمكاشفة المباشرة، وهذه الرسالة التصالحية لا يستطيع حملها إلا علماء الأمة ودعاتها ومفكروها، وللأسف الشديد نرى عزوفاً كبيراً من هذه النخب المجتمعية وكأن الأمر لا يعنيها، فالفكر المنحرف لا يجابه إلا بالفكر المعتدل، والتطرف لا يجابه إلا بالوسطية، والتخريب والتدمير لا يمكن احتوائه إلا بفضحه وكشفه، فالمسؤولية اليوم تحتم الحوار الصريح وعدم الاغماض والقفز على المسائل أو تمييعها، فمع أن المسؤولية تقع على عاتق قادة المنطقة هي كذلك مسؤولية العلماء والخطباء والدعاة والرموز السياسية، وتتحملها الجمعيات والصناديق والمجالس الأهلية ورجال الإعلام، بالتصدي لدعاة التطرف، وتجفيف منابع الإرهاب والعنف والطائفية، قال تعالى: raquo;إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبيرlaquo; الأنفال:73.
فإذا كان الإرهاب بهذه البشاعة والقسوة فإن الواجب على كل فرد في هذه الأمة أن يقول كلمة الحق لمجابهة هذا الفكر المنحرف الذي طال الكثير من الدول والمجتمعات، ولم تسلم منه دولة من الدول، فنأمل أن تكون قمة أبوظبي الحادية والثلاثون أكثر تحقيقاً للنتائج والطموحات، وأكثر أمناً واستقرارا للمنطقة.