سالم بن أحمد سحاب

قبل 31 سنة وتحديدًا في 16 يناير 1979 م غادر شاه إيران طهران هاربًا بنفسه وأهله وولده. وكانت للشاه رغبة في الإقامة في قصره الفاخر الواقع جنوب غربي لندن عاصمة المملكة المتحدة التي كانت تعتبر الشاه من أقوى حلفائها، بل حليفها الأقوى في المنطقة. لكن كل ذلك التاريخ الطويل من التعاون الوثيق والتحالف القوي والارتباط العضوي بين الدولتين لم يشفع للإمبراطور الطريد، فظل متنقلاً من بلد إلى آخر حتى حطّ رحاله في القاهرة أيام الرئيس السادات بعد علاج طويل من السرطان في الولايات المتحدة، ولم يدم بقاء الشاه طويلاً في القاهرة إذ غادرها إلى مثواه الأخير عام 1980م. هل يا ترى أقدمت بريطانيا على خطوة غير متوقعة عندما رفضت الترحيب بالشاه في بلادها؟ العاطفيون سيقولون حتمًا (نعم)! فما جزاء الإحسان في نظرهم إلاّ الإحسان!! لكن العقلانيين والبراجماتيين والمستقرئين للتاريخ يدركون أن الرفض البريطاني كان متوقعًا بل وطبيعيًا جدًا في ظل دول يحكمها الخيار الديموقراطي وتسيرها مصلحة البلاد والعباد، لا تقلبات الأهواء والعواطف والعنتريات الفارغة والشعارات الزائفة.
تعاونت بريطانيا الدولة مع الشاه لأنه يمثل الدولة، ولأنه يرعى المصلحة البريطانية لا غير، ولمّا لم يعد الشاه ممثلاً للدولة، فقد انقطع حبل الرجاء فيه وأواصر المصلحة التي تجني ثمارها بريطانيا الدولة لا الفرد ولا القلة. ربما رحل الشاه مأسوفًا عليه في الغرب، لكن الغرب لم يكن ليأسف عليه حين صد الأبواب في وجهه بحجة أن للغرب نفسه مصالح في إيران يرغب في استمرارها في ظل العهد الجديد.. كائنًا من كان القائد للعهد الجديد. إنها المصالح يا سادة.. ولا شيء غيرها.. مصالح الدولة والأمة. إنها النظرة البعيدة، وإنها القراءة الواعية للمستقبل، فلا شيء يعلو على المصلحة العليا للدولة العظمى. هي دروس من التاريخ الحديث، ربما تكررت في التاريخ القديم، لكن قلة من المعنيين يدركون حقيقتها، فهي بالنسبة لهم حوادث محتملة قد تقع لغيرهم لكن لن تصل إليهم أبدًا.. تمامًا كحال الذين يسيرون في جنازات الآخرين لا يخالطهم شعور بأن يومًا ما ستسير بهم الجموع .