حسين شبكشي

سورية دولة عربية محورية ولها ثقل وتأثير لا يمكن إنكارهما، وهي اليوم مركز الاهتمام للكثير من المواضيع المتشابكة، والتي ما إن تبحث فيها حتى تجد العامل السوري موجودا بينها. فالملف اللبناني (وما أدارك ما الملف اللبناني) انفرج بعد أن طمأنت سورية الفرقاء اللبنانيين أنها داعمة فعليا للاستقرار السياسي اللبناني، وأن على اللبنانيين العمل الجاد على تحمل مسؤولياتهم بشكل حقيقي ومقنع. وتابع العالم تبعات زيارة رئيس الوزراء اللبناني لدمشق ولقائه بالرئيس السوري والارتياح النفسي والحالة الإيجابية التي لا تزال واضحة على المشهد السياسي اللبناني نتاج ذلك. واليوم هناك رغبة سورية في المساهمة بتوحيد الصف الفلسطيني والعمل على محاولة جمع فتح وحماس بثقلها المعروف وكلمتها المسموعة لدى حماس، وهي بذلك ستكون ساهمت بطريق عملي في تقريب طريق الصلح مع القاهرة، وعملت على إغلاق صفحة خلاف أساسية بين مصر وسورية كخطوة جديدة على طريق طي صفحات الاختلافات العربية التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز خلال مؤتمر القمة العربية بالكويت.

هناك حالة موجودة اليوم يمكن، وبأمان، أن نطلق عليها وصف laquo;النكهة السوريةraquo;؛ فها هي أهم مجلات السفر والسياحة تفرد المقالات والتقارير المروجة لسورية كوجهة سياحية ممتازة، فتشيد بسوق الحميدية وجبل قاسيون بدمشق وبنواعير حماة وآثار تدمر وأفاميا وسوق المدينة والقلعة بحلب، ناهيك بالتغني بالموسيقى والفنون والأكلات السورية (بعد سنوات من التحذير من الذهاب إلى سورية لأنها بلد غير آمن!). المسلسلات السورية غزت التلفزيونات العربية بنجاح هائل، وlaquo;دبلجةraquo; المسلسلات التركية بلهجة سورية صارت هي المقياس حتى طالت سلسلة أفلام laquo;العرابraquo; نفسها وأصبح المشاهد لها يستمع لحوار مارلون براندو وكأنه مشهد من باب الحارة. الحلوى السورية والكباب الحلبي عاد سيدا للمائدة، وباتت الكثير من المصطلحات والأمثال السورية القديمة جزءا من العربية الدارجة اليوم مع حنين جارف للاستماع للقدود الحلبية من صباح فخري، وقراءة روايات حنا مينا ومسرحيات سعد الله ونوس. وهذه النكهة بدأت تتحول إلى نتاج ملموس على الساحة الاقتصادية، فها هي فرنسا توقع فعليا عقدا ماليا هائلا لإنشاء شبكة مترو أنفاق بالعاصمة السورية دمشق، وهي في مباحثات متقدمة لتحديث السكك الحديدية فيها وتطوير طائرات الخطوط السورية، وهناك هجمة كبيرة من سلسلة فنادق عالمية مثل laquo;الكمبنسكيraquo; وlaquo;الإنتركونتننتالraquo; وغيرهما لفتح منتجعات وفنادق بسورية، إضافة إلى الكثير من أهم محال التجزئة والمتاجر الكبرى والمطاعم والمقاهي الدولية. وهناك تطور إضافي جدير بالذكر، هو التحرك الهادئ ولكنه بتركيز من قبل مصارف laquo;الوول ستريتraquo; الأميركية، وخصوصا البنوك الاستثمارية التي ترغب أن يكون لها حصة ملموسة من الكعكة الاستثمارية السورية الموعودة. الأتراك والفرنسيون من المتوقع أن يكون لهم حصة كبيرة من الحصاد السوري المتوقع مع بعض الشركات الخليجية. وهناك طفرة قادمة في القطاعات المالية والاتصالات والتأمين والسيارات والنقل والسياحة والإعمار والإسكان والزراعة. العقار يشهد قفزات جنونية في الأسعار، مدينة حلب وحدها ارتفع معدل أسعار العقار بها في تسعة أشهر أكثر من 60%، البورصة السورية الجديدة مرشحة لأن تشهد قفزات هائلة في تقييم الشركات المدرجة، إضافة إلى استقبال عشرات من الشركات الواعدة الحديثة.

سورية تبنت بهدوء النموذج الصيني في الانفتاح عوضا على النموذج الروسي الذي شهد الكثير من الفوضى والخسائر. النموذج الصيني يحافظ على دور مركزي وقوي للدولة مع انفتاح اقتصادي مدروس ومقنن. المستثمرون يتوقعون تطورا في السياسات والتشريعات الاقتصادية بسورية حتى تلائم الحالة الإيجابية هذه لأن حسن النوايا لا بد أن يصاحبه قوانين تحميها من أجل أن لا تكون laquo;النكهة السوريةraquo; حالة مؤقتة سرعان ما تزول وتختفي. الانفتاح السوري على تركيا وفرنسا وعودتها إلى العرب مجددا فيه رسائل كثيرة وكبيرة، أن هناك شكلا جديدا للدور السوري في الأيام القادمة، وعلى الجميع لعب الدور المطلوب منعا لخسارة هذه الفرصة الكبيرة.. ويا مال الشام ياللا تعالي..