أسامة عبد الرحمن

غلب الانكفاء القطري في الساحة العربية على كل شيء، هناك قضايا كبيرة يفترض أن تكون حاضرة دائماً على الساحة العربية وبقوة، ليس من خلال الفضاء الإعلامي الواسع كخبر عابر، ولكن حضوراً راسخاً في الوجدان والضمير والهمم، بصرف النظر عن جعرافية هذه القضية أو تلك، خصوصاً إن كانت آثار هذه القضية تمتد إلى ما خلف إطارها الجغرافي . وإذا كان المد العروبي قد انحسر فإن هذه القضايا ليست حكراً على المد العروبي أو غيره، ولا وقفاً عليه أو غيره أو على أي ايديولوجية أو فكر أيديولوجي . فقضية فلسطين قضية القضايا وهي ليست قضية الفلسطينيين وحدهم، وإن كانوا هم اكثر انشغالاً بها، وأكثر شقاء ومعاناة وصموداً وصبراً . فهي قضية العرب لأن الكيان الصهيوني ليس محتلاً معادياً للفلسطينيين فحسب، ولكنه معاد للعرب جميعاً . والعرب من كونه محتلاً استولى على جزء غال من ترابهم الوطني يعادونه .

من البديهي أن العرب إجمالاً يعتبرون قضية فلسطين قضية العرب، وإن اقتصر ذلك على الشعور الوجداني ولم يتجاوزه إلى أي فعل في ظل القيود التي تكبل المواطن العربي، وحتى المثقف العربي . ولكن الملفت للنظر أن هذه القضية التي يفترض أن يكون الاتفاق على كونها قضية عربية محورية، اصبح المنظور لها منقسما، ربما في ضوء الانقسام الفلسطيني بين فريق تكاد تكون المفاوضات هي خياره الوحيد . وفريق يعتبر المقاومة هي خياره الوحيد، ولا ضير في مثل هذا الاختلاف في المنظور إن كان في إطار حواري سلمي ديمقراطي موضوعي . صحيح أن المفاوضات بدت عبثية ولم تفض إلى محصلة . وصحيح أيضا أن المقاومة لم تحقق هدفا منشودا . ولكن يجب ألا يغيب الهدف المحوري، وهو قضية فلسطين . يمكن كما حصل في أصقاع شتى، أن يكون هناك جناح للمفاوضات وجناح عسكري للمقاومة . . وكلاهما يتعاونان وينسقان جهودهما وتوجهاتهما .

إن وجود قضية واحدة، وعدو واحد مشترك، يفترض أن يجمع حتى الفصائل التي تكون بينها الاختلافات في وجهات النظر . إذ إن كل الجهود يجب أن تصب في سياق واحد، وتؤجل كل الاختلافات والخلافات إلى ما بعد تحقيق الهدف، من خلال برامج انتخابية . إذ ذاك يمكن أن يتم طرح الاختلاف أو الخلافات على الشعب الفلسطيني لكي يحكم عليها من خلال صناديق الانتخاب في وضع ديمقراطي حر ونزيه . ولا يمكن تصور مثقف عربي يميل إلى ممالأة الكيان الصهيوني أو الإشادة بخطه الديمقراطي مقارنة بالأوضاع السائدة في العالم العربي، أو أن له حقاً تاريخياً في هذه الارض . فذلك يعني معاداة القضية الفلسطينية، ومعاداة حقوق الشعب الفلسطيني . وذلك لا يمثل اختلافا في الرأي أو الطرح . . وإنما يمثل نهجاً معادياً لقضية العرب المحورية .

ومن الملفت للنظر، أنه برز على السطح منذ فترة، مثل هذا النفر الذي لا يوجد أي مبرر لركوبه المركب المعادي للحق العربي، إلا أن قرر خلع هويته وضميره ووجدانه العربي . ربما اعتبر البعض أن مواجهة هذا الكيان غير ممكنة، وأنه من الافضل القبول به في ظل تفوق عسكري كاسح بدعم أمريكي دائم . إذ إن معاداته تجلب على العرب سخط الراعي الأمريكي، ومعظم أقطارهم تدور في فلكه، أو تطمع في بعض العون منه . ومثل هذا الطرح يتجاوز قضية فلسطين إلى أي قضية عربية . فالعراق الذي احتلته الولايات المتحدة اختلف الطرح حول قضيته . مع أنه من البديهي أن يكون هناك رفض لأي احتلال بصرف النظر عن الانظمة . ولم يكن الاحتلال بأي صورة من الصور مبرراً ولا استمراره مبرراً لو كان هناك سخط أو تذمر من أي نظام .

إن الاختلاف حول القضايا العربية، بما في ذلك القضايا الكبرى، أمر مشروع والحوار السلمي والموضوعي مطلوب، ولكن لا يمكن أبداً اعتبار الكيان الصهيوني، صاحب حق أو ممالأته أو الإشادة به . كما لا يمكن أبداً اعتبار الولايات المتحدة صاحبة حق في غزو العراق واحتلاله والإشادة بها . فذلك يخرج عن إطار الاختلاف، ويصبح معاداة لفلسطين، ومعاداة للعراق، ومعاداة للعرب .

فالاختلاف محبب ومشروع بغية الوصول إلى هدف مشترك . ولكن الممالأة والإشادة بمحتل تعتبر معاداة للحق العربي، وليس اختلافاً حول كيفية إحقاق الحق العربي .