احمد عياش

خارج طهران في منطقة الشرق الاوسط، وحدها بيروت تستطيع ان تستضيف quot;الملتقى العربي والدولي لدعم المقاومةquot;، والسبب يعود الى امرين: الاول، ان لبنان لا يزال واحة حرية على رغم كل الذي مرّ به. والثاني، ان في لبنان مشروع دولة لم يصبح حتى الآن حقيقة ناجزة.
لا يحتاج المرء الى كثير من الجهد حتى يبرهن. ويكفي فقط اخذ نموذج الامين العام لـquot;حزب اللهquot; السيد حسن نصرالله الذي هو في الاصل مواطن لبناني منذ اكثر من عشر سنوات يتمتع بحرية لا مثيل لها في المنطقة فيذهب الى تداول مسألة السلم والحرب واعداً بتغيير وجه الشرق من دون ان يطلب من مسؤولي الدولة اللبنانية اخذ العلم على الاقل.
اللافت في هذا الموضوع ان مسؤولي هذه الدولة كانوا بالامس منشغلين في الطلب من مسؤول رفيع في الادارة الاميركية هو مستشار الامن القومي جيمس جونز الاهتمام برفع قيود السفر عن مواطنيهم في الاراضي الاميركية والسماح لاقنية تلفزيونية لبنانية ابرزها تعود الى السيد نصرالله بالتمتع بحرية البث في الفضاء الاميركي واعطاء الجيش اللبناني ما تيسر من امكانات تتيح له وحده بسط سيادة الدولة على اراضيها.
انها مفارقة لا يمكن تصوّرها خارج رواية quot;أليس في بلاد العجائبquot; اللبنانية. ربما كانت هناك محاولة لحوثيي اليمن ان يتمتعوا بنزر يسير مما يتمتع به اخوانهم في لبنان. لكن الحظ لم يحالفهم حتى اليوم. علماً ان ظاهرة الحوثية في لبنان قديمة جداً وجرّبها كثيرون ولم تكن الخاتمة موفقة. لكن من الصعب اقناع الحوثيين الجدد في لبنان بالتخلي عن محاولتهم مستفيدين موقتاً من ان هناك مشروع دولة لا قدرة لها على الاقناع. لكن اللبنانيين يخافون كما خافوا مراراً في الماضي ان يكون الحوثيون الجدد يستدرجون حلاً خارجياً لا يترك فرصة لأي خاتمة سعيدة.
الصديق الوزير السابق الدكتور محمد عبد الحميد بيضون يقول ان النبرة العالية هدفها طمأنة الجمهور الخاص الذي اقلقته الحرب المحتملة مجدداً بين اسرائيل وquot;حزب اللهquot; فيما لا تبدو هناك حروب في عهد الرئيس الاميركي باراك اوباما.
كلام يطمئن ويؤخذ في الاعتبار. ومع ذلك يبقى هناك هامش لحسابات اخرى. فالنظام الايراني الذي لم يعد له من بين حطام مشروعه الامبراطوري في الشرق الاوسط سوى quot;حزب اللهquot; في لبنان وحركة quot;حماسquot; في غزة، لا يزال يصارع من اجل البقاء، ولبنان ساحة عزيزة لهذا البقاء.
اللجوء الى الفن يفتح الآفاق عندما ينغلق فهمها في السياسة. على quot;مسرح المدينةquot; تعرض هذه الايام مسرحية quot;فيترينquot; التي تتألق فيها الفنانتان القديرتان جوليا قصار وعايدة صبرا، بابداع من المخرج نعمه نعمه. ويصنع تمثالا عرض ازياء المتجر (Mannequins) الحياة بكل صخبها ليتفوقا على حياة الاحياء. المخيلة الواسعة والامكانات البشرية والتقنية تنقل المشاهد الى عالم يبدو المتلقي فيه التمثال. اما ما يدور على المسرح فهو الحياة. وفي النهاية التي لا بد انها آتية يصبح توق التمثالين الى الحرية معكوساً للبقاء خلف الزجاج، والمبررات كافية لهذه الرغبة.
هل يمكن الاستعارة من الفن لتفهم السياسة؟ ربما تبدو quot;فيترينquot; المسرحية اكثر شبهاً بـquot;فيترينquot; لبنان.
كل هذه الحيوية التي يحاول حوثيو لبنان ان يمارسوها ما زالت الآن خلف زجاج متجر الدولة الهشة. وأقصى الاحتمالات التي تتفوق على المسرحية ان تندفع الاحداث الى تحطيم الزجاج. هكذا حصل في حرب تموز 2006. ومن بين الاحتمالات ايضاً ان يُخلق وهم صراع على النظام. لكن في نهاية المطاف ستبقى المحاولات في مكانها خلف زجاج هشّ اسمه الدولة. فاذا ما انكسر مجدداً تطايرت الشظايا في وجه الجميع. وهذا ما يثير الخشية.