عرفان نظام الدين

التسخين في المنطقة يجري على قدم وساق وبالسر والعلن استعداداً للمنازلة الكبرى بين إيران والغرب وإسرائيل لحسم مسألة الملف النووي سلماً أو حرباً.

وبكل أسف فإن العرب بكل ما يمثلونه من حجم وما يمتلكون من حقوق، بوصفهم أهل المنطقة يفترض أن يكونوا هم لا غيرهم أدرى بشعابها، وهم الأصليون والأصيلون إن لم يكن في شكل كامل فبالغالبية العظمى بحسب شهادات التاريخ ووقائع الجغرافيا.

العرب غائبون عن مجريات الأحداث ودهاليز المطابخ السياسية والعسكرية أو مغيبون قصداً وعن عمد من قبل جميع أطراف النزاع لغايات في نفس يعقوب، أو إمعاناً في التجاهل والإذلال وعدم الرغبة بإشراكهم في الحل والغنم وتحميلهم أوزار الغرم ونتائجه وانعكاساته وآثاره المدمرة.

ونحن بعد أن ودعنا عام 2009 ودعنا معه عقداً كاملاً من الإحباط والتراجع والتشرذم والانقسامات والتنازلات، وفوق كل شيء فقدان الدور الإقليمي إما بسبب الإهمال واللامبالاة والتواكل أو نتيجة لتقدم القوى الإقليمية الى الواجهة لسرقة هذا الدور التاريخي والاستئثار به لدواعي الهيمنة تارة أو لدواعي تصفية الحسابات الإقليمية والدولية أو للحصول على اعتراف دولي نهائي بهذه القوى كعامل من عوامل الحل والربط والتوازن وحفظ المصالح وحل القضايا وتبريد المناطق الساخنة.

فقد بدأ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بنظريات الهيمنة الأميركية والعالم المحكوم بالأحادية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة بين الغرب والشرق، ووقف العرب كالعادة متفرجين ينتظرون الفرج من quot;الحاكم الوحيد للعالمquot; ومن الإمبراطور المتربع على عرشه حتى إشعار آخر. وجاء زلزال 11 أيلول (سبتمبر) ليصحو العالم من سباته على أول مواجهة يخوضها لفرض هيمنته والباقي معروف من أفغانستان الى العراق وتداعيات ما سمي بصراع الحضارات ومحاربة الإرهاب وبروز quot;القاعدةquot;، ومعها نظرية مزعومة للمحافظين الجدد والعديد من منظري الغرب بتحريض صهيوني سافر تدعي أن الإسلام، والفرع السنّي بالذات، هو الخطر ولهذا لا بد من ضربه وتحجيمه وتظهير صورته على أنه العدو الدائم والفعلي في المنطقة والعالم كله.

وكل ما جرى في العراق حاول هؤلاء إظهاره كدليل واقع على صحة هذه النظرية المزعومة بعد التسهيلات التي قدمتها إيران للغزو الأميركي للعراق، أو على الأقل غض الطرف عنه وتشجيعه، ربما لتوريطه بحسب بعض النظريات إضافة الى تحالف قوى عراقية شيعية رئيسية وفاعلة مع الاحتلال الأميركي.

وبدلاً من أن يكون العقد الأول للقرن فرصة للعرب للنهوض واستغلال المتغيرات تحول من quot;عقد فريدquot; منتظر الى انفراط عقد العرب وفقدانهم للدور الفعال والمؤثر لمصلحة القوى الإقليمية الرئيسية: إيران وتركيا وإسرائيل.

واليوم بعد كل تداعيات العقد وأحداثه المتلاحقة والدراماتيكية يتركز الصراع على موضوع الملف النووي الإيراني كعنوان رئيسي لكنه في الواقع يشكل مفترق طرق تتحدد فيه أحجام القوى ودور إيران وتركيا ومستقبل الصراع العربي - الإسرائيلي.

وكل الدلائل تشير الى ان الحسم قريب سلماً أو حرباً فيما يعيش العرب حالة ضياع ليتحولوا في الحالتين الى رهائن لدى أطراف النزاع، بحسب دفاتر الشروط المعروضة والاحتمالات التدميرية على المنطقة بأسرها في حال وقوع مواجهة عسكرية.

ولا يخفي الفرقاء هذه الحقيقة بل باتوا يتحدثون عنها صراحة ومن دون مواربة فيما العرب يبدون غير مدركين لحجم الأخطار القادمة نتيجة لوقوعهم تحت رحمة الآخرين وبالتحديد بين مطرقة إيران وسندان الغرب وإسرائيل.

فإيران كانت صريحة عندما قدمت الى الغرب موقفها النهائي مع عرض مغر يقوم على غض الطرف عن الملف النووي لقاء دور إيراني شامل في المنطقة والعالم يساعد على إحلال الهدوء والسلام في العراق ولبنان وفلسطين ضمن إطار الحل السلمي والديبلوماسي. في المقابل هزت إيران العصا مقابل الجزرة بالتهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور في حال فرض العقوبات أو شن حرب عليها، وخصت بالذكر الجبهات الأمامية التي تملك فيها نفوذاً وإغلاق مضيق هرمز والرد بقصف صاروخي على الأماكن التي توجد فيها مصالح لأميركا والغرب. يضاف الى ذلك التهديد بالرد على قصف المنشآت النووية الإيرانية بقصف المنشآت النووية الإسرائيلية، ما يعني في الحالتين إشعال المنطقة بأسرها وتدمير مناطق عربية شاسعة من فلسطين الى العراق نتيجة لتسرب الإشعاعات النووية الى الدول العربية المجاورة.

وعلى الجانب الآخر تحاول الولايات المتحدة تطمين العرب الى أن أي اتفاق مع إيران لن يكون على حسابهم، ولكننا تعودنا على الصفقات السرية والاتفاقات من تحت الطاولة، وخيانة العرب من قبل الغرب عبر التاريخ.

أما ما أعلنه رئيس الأركان الأميركي عن تقديم خطة الخيار العسكري الى البيت الأبيض فالأرجح أنها لن تأخذ في الاعتبار المصالح العربية والأمن القومي وحياة العرب كبشر في هذه الحرب التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل.

أما إسرائيل المحرض الأكبر والمجرم الدائم الذي تعود على الغدر وارتكاب المجازر فآخر همها أن تفكر بالعرب ومصيرهم وحياتهم ومماتهم. والأرجح أنها تبث الآن سمومها وتحشد طاقاتها لجر الولايات المتحدة والغرب الى حرب ضد إيران بغض النظر عن نتائجها المدمرة للمنطقة بأسرها. فهي تقوي ترسانتها الحربية وتحشد الصواريخ وأسلحة الدمار الشامل وتخطط لاستيعاب الضربات والردود إن من إيران أو من لبنان وغزة.

هذه الصورة السوداوية ليست من بنات الخيال بل لا بد لكل عربي من القمة الى القاعدة أن يأخذها في الحسبان ويدرك أبعادها وحجم مخاطرها. فعندما تقع الواقعة لا مجال للندم أو حتى للعمل والرد فيكون قد وقع الفأس في الرأس وما علينا سوى الاستسلام للقضاء والقدر وانتظار ساعة الحسم أو انتظار صاروخ عابر يقع على رؤوسنا أو إشعاع نووي يدمر حياتنا. ولهذا لا بد من تحرك فوري على مختلف الأصعدة لمواجهة الخطر الداهم يبدأ بإعداد دراسات إستراتيجية واقعية عن مختلف الاحتمالات ثم يتواصل مع توحيد الصف العربي والتنسيق والقيام بعمل مشترك وتحرك سريع باتجاه مختلف أفرقاء النزاع مع مبادرات عملية للوساطة وإيجاد حلول عملية لمعضلة الملف النووي وإقناع إيران بالقبول بها من أجل مصلحة العرب والإيرانيين في شكل عام وتحذير الولايات المتحدة والغرب من مغبة العملية العسكرية في حال اتخاذ قرار الهجوم على المنشآت النووية أو من مخاطر عقد أية صفقة على حساب المصالح العربية العليا. وفي حال فشل الجهود السلمية وضياع وسائل الإقناع لا بد من العمل على تحييد الدول العربية ورفض أي ضغط من قبل أي طرف لتوريطها في الحرب وجرها الى الدمار. وعلى الأطراف العربية أن تدرك أن استخدامها كورقة أو كأداة في هذه الحرب سيكون وبالاً عليها وعلى أوطانها وعلى الأمة بأسرها.

المهم أن يصحو العرب من غفلتهم ويتحركوا قبل فوات الأوان ... فلا أحد سيكون بمنأى عن الأخطار القادمة ورياح سمومها التي بدأت طلائعها تهب على سماء العرب.