محمد صلاح


في عام 1980 نال المخرج الياباني العبقري أكيرا كيروساوا الجائزة الأولى لمهرجان كان عن فيلمه البديع laquo;ظِلُّ المحاربraquo; وفي كانون الثاني (يناير) 2010 أعلنت جماعة laquo;الإخوان المسلمينraquo; اسم مرشدها الثامن الدكتور محمد بديع، فهل هناك علاقة؟

يذهب بعض المحللين إلى أن جماعة laquo;الإخوان المسلمينraquo; تسير في الطريق الذي رسمه لها مؤسسها ومرشدها الأول حسن البنا منذ أعلن في مدينة الإسماعيلية عن قيامها عام 1928. وأن طباع وشخصية وصفات المرشد لا تؤثر كثيراً إلا في مظهر الجماعة من دون المضمون الذي لا يتغير، وأن الجماعة تسير بقوة الدفع الذاتي وفقاً للآليات التي يستخدمها كل عضو فيها لتحقيق الأهداف التي تأسست من أجلها. وفي المقابل يرى محللون آخرون أن تاريخ وأفكار ومبادئ المرشد وصفاته الشخصية يمكن أن تعود على الجماعة بنتائج إيجابية أو سلبية، وقد تحقق لها الحضور على الساحة السياسية، وتمنع عنها الصدام مع السلطة أو قد تهبط بالجماعة إلى مراحل لا تستطيع فيها الصمود أمام الضغوط الحكومية أو مقارعة بقية قوى المعارضة والأحزاب السياسية أو تجعلها تعاني من انقسامات وانشقاقات داخلية.

نعود إلى كيروساوا وفيلمه laquo;ظِلّ المحاربraquo; الذي يتناول فترة من تاريخ اليابان في الربع الأخير من القرن السابع عشر حين تقاتلت مقاطعات عدة للفوز بالعاصمة كيوتو. ويروي الفيلم أن زعيم إحدى المقاطعات توفي فجأة أثناء القتال، لكن لم يعلن عن موته إلا بعد ثلاث سنوات، رغبة من المحيطين بالزعيم في أن تتمكن القبيلة من السيطرة على الآثار المترتبة على موت قائدها. وخلال السنوات الثلاث كان مواطن فقير يشبه الزعيم يمثل دوره أمام المجتمع من دون أن يعلم حقيقته إلا رجال الزعيم. وعبّر كيروساوا في فيلمه عن المأساة التي لا تتعلق بهذا البديل الذي لا يحمل أي صفات للقائد إلا الشبه، وإنما ترسم مستقبل المقاطعة وتتضح عندما يفتضح أمر البديل الذي يصدق أنه الزعيم عندما يفشل في امتطاء جواد القائد فيطرد شر طردة وينهزم الجيش وتمتلئ الساحة بالجثث لتكون النهاية الطبيعية للكذب والصراع على السلطة الذي يدفع ثمنه أهالي المقاطعة والجنود الذين أخفيت عنهم الحقيقة.

على رغم التحفظات التي أبداها رموز في laquo;الإخوانraquo; قبل غيرهم من كارهي الجماعة أو معارضيها على الطريقة التي جرت بها التغييرات في المستويات القيادية العليا للتنظيم وبينها تعيين المرشد الجديد بديع إلا أن تاريخ الرجل ونفوذه القوي داخل الجماعة على مدى نحو نصف قرن ومكانته بين laquo;الإخوانraquo; أمور تؤكد أنه ليس مجرد بديل للسيد محمد مهدي عاكف الذي أصبح أول مرشد سابق لـ laquo;الإخوانraquo; على قيد الحياة، وفي الوقت نفسه فإن السنوات الأخيرة شهدت تطورات مهمة على الساحة السياسية جعلت من الجماعة رقماً مهماً في اللعبة السياسية المصرية، بغض النظر عن موقف السلطة منها، وتكفي الإشارة هنا إلى أن انتخابات laquo;الإخوانraquo; الأخيرة والتي أفضت إلى اختيار بديع مرشداً، جرت أمام وسائل الإعلام، وفي حضور أعداد كبيرة من laquo;الإخوانraquo;، ونشرت أخبارها في الصحف الحكومية قبل الحزبية أو الخاصة على رغم أن السلطة تطلق على الجماعة اسم laquo;المحظورةraquo; وتعمل دائماً على ترويج الاسم لجعله مرادفاً لكلمتي laquo;جماعة الإخوانraquo;.

تبقى الإشارة إلى أن laquo;الإخوانraquo; لعبوا قبل سنوات لعبة laquo;ظل المرشدraquo; وطبقوا نظرية كيروساوا في فيلمه حيث اصطلح على تسمية المرشد وقتها باسم laquo;المرشد السريraquo;، لكن الظروف تغيرت حتى أن laquo;الإخوانraquo; أدركوا أنهم يحققون الفائدة عبر الضجة التي أحدثتها التطورات والتغيرات.

قد ينتمي بديع إلى الجناح المحافظ في الجماعة، وقد تكون لديه أولويات تتعلق بالبنية التنظيمية والاهتمام بالتربية، لكن لا يمكنه أبداً العودة بالجماعة إلى الانغلاق على نفسها مجدداً، والبعد عن المشاركة في الفعاليات السياسية ومنها الانتخابات سواء كانت برلمانية أو نقابية أو حتى طلابية. ربما أثار المرشد السابق عاكف لغطاً وجدلاً وصخباً طوال الفترة التي تولى فيها إمامة الجماعة بسبب تصريحاته التي كانت في الغالب تحوي مفاجآت لوسائل الإعلام والوسط السياسي المصري ولـ laquo;الإخوانraquo; نفسهم، إلا أن شخصية بديع التي يغلب عليها التحفظ تختلف كثيراً وهذا لا يعود بالفائدة على الإعلام لكن سيكون أكثر نفعاً لـ laquo;الإخوانraquo; الذين سينشغلون بكل تأكيد في الشهور المقبلة بتحسين صورتهم بعد الانتقادات التي وجهت اليهم، ليس فقط من جانب الأوساط الحكومية ولكن من بين قادة مهمين في الجماعة أيضاً، كما سيتعين على بديع أن يثبت أنه ليس ظلاً لعاكف أو غيره من رجال النظام الخاص، فـ laquo;الإخوانraquo; لا يمكن لهم أن يستمروا.. في الظلال.