الأرشيف البريطاني:بريطانيا تأمر سفاراتها بالخليج بإتلاف الأوراق الرسمية (21)

بريطانيا تأمر سفاراتها في الخليج بإتلاف الأوراق الرسمية والتقارير

لندن - رائد الخمار

في الثاني من ديسمبر 1979 تلقت السفارات البريطانية في منطقة الخليج والعالم العربي اوامر عاجلة من دائرة الشرق الاوسط في الخارجية البريطانية تطلب فيها شحن الوثائق الاساسية والاوراق والمراسلات الدبلوماسية من مختلف العواصم الى لندن والاحتفاظ فقط بالضروري منها لوقت الحاجة مع الاستعداد لاتلافها اذا استدعت الحاجة ذلك laquo;حتى لا تقع في ايد معاديةraquo;.
مع انه لم تكن هناك اخطار تدّعي اتخاذ هذا الاجراء تحسبا من اقتحام متظاهرين السفارات البريطانية في المنطقة، الا ان laquo;الأوامرraquo; مثلت عملية احتراز من اعمال مماثلة لما جرى في طهران قبل نحو شهر عندما اقتحم طلاب دينيون ايرانيون مبنى السفارة الاميركية في طهران وبدأوا تباعا ينشرون وثائق عثروا عليها في ادراج السفارة وخزائنها.
غوغاء وعنف
وكان سبق هذا التحذير laquo;تنبيهraquo; صادر عن ادوارد يودا في دائرة الشرق الاوسط في لندن بتاريخ 30-4-1979 وجه الى laquo;رؤساء البعثات البريطانية في الشرق الاوسطraquo; وحمل عنوان laquo;غوغاء وعنفraquo; وكان من خمسة بنود تضمنت التالي:
1 - لا يسعني تذكيركم بأننا نعيش فترة عصيبة في الداخل والخارج، اذ تهددنا الغوغاء والاضطرابات ونواجه تهديدات مختلفة مصدرها الارهابيون واعداء العالم الحر (...) ونحن قلقون في لندن من الاخطار التي يمكن لرؤساء البعثات او اعضاء السلك الديبلوماسي التعرض لها.
2 - كونوا على يقين من اننا نتابع بقلق ونراقب اي تهديد لكم، خصوصاً في ظل محاكمة ارهابيين في لندن (اشارة الى محاكمة فلسطينيين بتهمة المس بالامن البريطاني)، او في ظل السياسات التي تتبعها لندن تجاه قضايا العالم والشرق الاوسط تحديداً، مما قد ينعكس على امنكم في المنطقة التي تعملون فيها. سنحاول اعطاءكم بيانات عن كل ما نحصل عليه من معلومات امنية تتعلق بأمنكم. كما سنحاول جهدنا الطلب من الحكومات المحلية تزويدكم بالحماية اللازمة في حال احسسنا بأي خطر.
3 - نحن نعرف بأنكم تولون الامن في محيطكم عناية فائقة، لكن المشاكل والاضطرابات قد تنتشر فجأة في هذا العالم المتغير بسرعة. انني ادعوكم واذكركم بالمادة 57 من قوانين الحماية الامنية الواردة في الفصل السابع (...) التي تتضمن الاجراءات الواجب اتباعها في حال الطوارئ.
4 - من المفيد جداً ابقاء نسخة عن الاجراءات وما يجب القيام به في متناول الديبلوماسي المناوب في السفارة الذي يجب ان يبقى قادراً على الاتصال بالسلطات الامنية المعنية في البلد المعتمد لديه، كما يجب الابقاء على الاتصال المباشر مع الخارجية في لندن اذا استدعت الحاجة. وبناء على تقويمكم للمخاطر في بلدكم، يمكن اعداد لوائحكم الامنية الخاصة والاجراءات التي ترونها مناسبة في حال الطوارئ مع طلب المشورة في الجوانب التي ترونها.
5 - اذا احتجتم لأي مشورة أمنية في خصوص حماية سفاراتكم لا تترددوا بطلبها من لندن، وقد نوفد من يلزم للنظر في الاجراءات المتخذة لديكم.
وارفقت الرسالة ببيان عما يجب اتخاذه من اجراءات تناولت الديبلوماسيين وافراد عائلاتهم والمواد والتقارير المصنفة laquo;سريةraquo;، اضافة الى مباني البعثات الديبلومسية والسفارات ومنازل الديبلوماسيين ومواقعها.
وشددت التعليمات على ضرورة اغلاق المداخل والمخارج جميعها اثناء الضرورة، واخلاء من لا يلزم من مبنى البعثة اذا كان ذلك آمناً، كما انه من الضروري الابقاء على الاتصال مع السلطات الأمنية المباشرة والخارجية في لندن.
وفي البرقيات التي وُجهت في 2 ديسمبر الى السفارات في منطقة الخليج والعالم العربي، وقعها سي تي برانت، اشارة الى ان laquo;الشرق الاوسط اصبح منطقة خطر بعد احتلال المسجد الحرام واحتجاز الرهائن الاميركيين في السفارة في طهرانraquo; كما ان لا لزوم للابقاء على الوثائق غير المهمة، ومن الضروري اتلافها فوراً على اساس ان نسخاً عنها اصبحت في حوزتنا، وهي آمنة حتى تزول الاخطار من العواصم، حيث تمثلون الملكة.
وشددت البرقيات على انه لا اخطار داهمة، لكن من الواجب الحذر. ولحظت انه سيتم ارسال رسالة مفصلة بالمستجدات الواجب اتخاذها بالبريد الدبلوماسي.

الوساطة السورية
في الوثائق البريطانية، التي افرج عنها الارشيف الوطني نهاية العام الماضي، برقية من السفارة البريطانية في البحرين حملت الرقم 227 وتاريخ 8 اكتوبر 1979، تحدثت عن تقارير صحفية اشارت الى عرض الرئيس حافظ الاسد على حكومة البحرين وحكومات خليجية وساطة سورية بينها وبين ايران.
واشارت التقارير التي كانت اكثر وضوحاً في صحيفة laquo;اخبار الخليجraquo; ان ناصر قدور موفد الرئيس الاسد سلم امير البحرين رسالة في هذا الشأن الى امير البحرين الشيخ عيسى بن حمد آل خليفة.
ونقل التقرير ايضاً ان صادق الطبطبائي نائب رئيس الوزراء الناطق الرسمي الايراني كان انهى قبل يومين زيارة الى دمشق استغرقت اربعة ايام، تناول فيها مستقبل العلاقات الايرانية العربية (...) وهو غادر دمشق الى الكويت، حيث يجري محادثات حالياً.
في الوقت نفسه غادر رئيس الوزراء البحريني الشيخ خليفة المنامة، مع وزيري الداخلية والدولة لشؤون مجلس الوزراء، لاجراء محادثات في الكويت وبغداد تتناول التطورات في المنطقة.
ولم تتضمن البرقية التي حملت توقيع ووكر اي تأكيد رسمي بحريني عن العرض السوري للوساطة. لكنها لاحظت ان الشيخ خليفة والطبطبائي سيتواجدان في الكويت في الوقت نفسه.
واستنتج ووكر ان الرئيس الاسد يبذل جهوداً كبيرة لجمع الايرانيين ودول الخليج للبحث في التعاون لاشاعة الاستقرار في المنطقة (...).
وكان البرت مونرو من دائرة الشرق الاوسط ارسل تقريراً الى السفراء البريطانيين في دمشق وبغداد والكويت ومسقط تناول فيه موجزاً عن محادثاته مع السفير السوري في لندن عدنان عمران في الوثيقة التي حملت تاريخ 17 يوليو 1979 الذي حضر الى الخارجية لمناقشة نتائج جولة سير انتوني بارسنز في منطقة الخليج.
واشار مونرو الى ان السفير حاول جس نبضنا لمعرفة الموقف البريطاني من التطورات بين مسقط وطهران، ولمعرفة ما نتج عن زيارة وزير الخارجية البريطاني لورد كارينغتون الى بغداد التي سبقت تولي صدام حسين الرئاسة في العراق.
ونقل السفير وجهة نظر بلاده في شأن سلطنة عُمان واهتمامها بالاستقرار في مسقط، كما كان وزير الخارجية السوري ابلغ سابقاً زميله البريطاني.
واشار الدبلوماسي البريطاني الى انه ابلغ السفير السوري ان لندن مهتمة جداً بان تساعد سلطنة عُمان على اقامة علاقات جيدة مع جيرانها خصوصاً في الجانب العربي وان تُساعد خطط التنمية التي تنفذها حكومة السلطان قابوس لأنها مفيدة في انهاء العزلة العُمانية التي عاشتها سابقاً.
واشار السفير الى موقف عُمان المؤيد لمصر في كمب دايفيد مديرة ظهرها للموقف العربي الشامل.
لكن الدبلوماسي البريطاني قال للسفير laquo;اننا نعطي رأينا، حيث ما نستطيع، للجانب الايراني بزيادة روابطه مع العالم العربي، من دون ان يؤدي ذلك الى قطع صلاته مع مصر (...) بسبب معاهدة كمب دايفيدraquo;.
ولاحظ السفير السوري ان اصلاح عُمان علاقاتها العربية سيُساهم في تسوية علاقاتها الامنية مع جمهورية اليمن الديموقراطية (عدن).
وشدد السفير على ان بلاده مهتمة جداً بان لا تزيد الدول الكبرى تدخلها او التواجد الاجنبي في منطقة الخليج نتيجة تطورات الموقف في ايران.
وفي الشأن العراقي ابلغ مونرو السفير عمران ان لندن مهتمة بان ترى بغداد ودمشق قادرتين على زيادة روابطهما مع الغرب وفك الارتباط الكامل مع الاتحاد السوفيتي.
ولاحظ السفير الفارق الاساسي في اسلوب السياسة الخارجية الذي تطبقه كل من سوريا والعراق حيث تتخذ الاولى اسلوب الحوار الهادئ بينما الثانية تعتمد على الصوت العالي عالي المخاطر (...).
وتحدث السفير السوري عن المخاطر التي تشعر بها بغداد عن امداد الايرانيين الشيعة في جنوب العراق والاكراد في شماله بالاسلحة والخبرات. لكن الدبلوماسي البريطاني اشار الى ان معلومات لندن تفيد بان الايرانيين حالياً لا يريدون مشاكل مع العراق لأنهم يشعرون بان لديهم هموما كافية في الداخل.
وقال السفير السوري ان بلاده قد تتقدم خطوة اخرى في جهود الحل السلمي اذا تقدمت الاطراف المعنية في صراع الشرق الاوسط خطوة مماثلة في المحادثات المتوقعة برعاية الامم المتحدة.

الحلقة 22:
الدعوة الإسلامية في ظل البعث