جهاد الخازن


كنت أتوقع أن تختار مجلة laquo;تايمraquo; جوليان أسانج laquo;رجل العامraquo;، فهو بلا شك كان على قائمة المجلة التي فضّلت عليه مؤسس موقع فيسبوك مارك زوكربرغ، وفي حين أن لا أحد في العالم هذه السنة كان أشهر من رئيس موقع ويكيليكس أو أبعد أثراً، فإنه يواجه حرباً من الإدارة الأميركية التي قد تسعى الى اعتقاله ومحاكمته بتهمة التجسس، وحملات عصابة إسرائيل، وتهمة اغتصاب امرأتين في السويد.

في الولايات المتحدة قال المدعي العام (أي وزير العدل) اريك هولدر إن وزارته تفكر في محاكمة أسانج بتهمة التجسس بموجب قانون يعود الى سنة 1917.

غير أن الخبراء يقولون إن أسانج في التسريبات التي نشرها الموقع المشهور كان طرفاً ثالثاً، فقد تلقى البرقيات الديبلوماسية من خبير الاستخبارات في الجيش برادلي ماننغ، وجميع القضايا التي رفعت بموجب قانون 1917 فشلت في إدانة الطرف الثالث، كما حدث مع laquo;نيويورك تايمزraquo; و laquo;واشنطن بوستraquo; والصحف الأخرى التي نشرت وثائق البنتاغون عن حرب فيتنام. غير أن مسرّب الوثائق دانيال ايلسبرغ لوحق وحوكم، من دون أن تحاول الإدارة في حينه اتهام الصحف بشيء.

وتكرّر هذا قبل سنوات قليلة عندما حوكم الجاسوس لورنس فرانكلن وحكم عليه بعد أن سلم وثائق سرية لعميلي اللوبي إيباك ستيفن روزن وكيث فايسمان اللذين اتُّهِما ولكن من دون أن ينجح الادعاء في إدانتهما.

الجانب الإسرائيلي في التسريبات لم يلقَ الاهتمام الذي يستحق مع تركيزنا جميعاً على الجانب العربي، غير أن ما لفت نظري إليه كان مطالبة أعضاء كونغرس ليكوديين معروفين بالولاء لإسرائيل وحدها بوقف التسريبات ومحاكمة أسانج، مثل النائب بيتر كنغ والسيناتور جو ليبرمان الذي ضغط على موقع أمازون لوقف التعاون مع ويكيليكس وهو ما فعل الموقع في النهاية.

تسريبات ويكيليكس القليلة عن إسرائيل تثبت تهمة ردّدناها مراراً، هي أن إسرائيل كلها عصابة جريمة منظمة. أو انه لا يمكن التفريق بين الحكومة والمجرمين المحترفين، لأن العاملين في المجالين يتبادلون الأدوار، والجرائم هي نفسها بين الطرفين.

في برقية ديبلوماسية أميركية تحمل تاريخ 15/5/2009 جاء أن زفيكا بن شابات وياكوف افيتان وتزوري روكا طلبوا في حوالى آذار (مارس) 2009 تأشيرات سياحية لحضور مؤتمر له علاقة بالأمن في لاس فيغاس، والميديا المحلية تربط الثلاثة بالجريمة المنظمة. وقد طلبت منهم السفارة إثبات عدم وجود سجل إجرامي لأي منهم، إلا أنهم لم يعودوا الى السفارة، ولكن من المعروف أن كثيرين من المجرمين الإسرائيليين المحترفين يحملون تأشيرات سياحية للولايات المتحدة.

أعجبت كثيراً بالنزعة الصحافية للديبلوماسي كاتب البرقية، فقد اختار عنواناً لها laquo;أرض موعودة للجريمة المنظمةraquo;.

والبرقيات تظهر أن زفيكا بن شابات يدير مجموعة أمنية إسرائيلية اسمها هـ. أ. ش تقدم خدمات أمنية حول العالم، وقد وقعت اتفاقاً مع شركة مايكرو تكنولوجويز الهندية الكبرى التي تطور أنظمة تنصُّت ومراقبة وتنشط في بلدان كثيرة.

ويصبح الموضوع أكثر إثارة عندما نقرأ أن رئيس مجلس إدارة الشركة الإسرائيلية هـ. أ. ش هو الجنرال دان رونين الذي كان رئيس القيادة الشمالية للبوليس الإسرائيلي (أرجو أن يقرأ حزب الله هذه السطور)، وكان مسؤولاً عن القيادة لجميع القوات والأنظمة في حرب لبنان الثانية، وهو خبير في مكافحة الإرهاب والعمليات الانتحارية، كما تقول إحدى البرقيات.

والسفارة الأميركية عادت في برقية أخرى للمطالبة بمنع رجال الجريمة المنظمة في إسرائيل من الحصول على تأشيرات أميركية بالنظر الى ما يعرف من انتشار أعمالهم وجرائمهم.

أقول إن الحكومة الإسرائيلية كلها عصابة جريمة منظمة، وقد كتبت في السابق، وقبل تسريبات ويكيليكس كلها، وأعود الى القول اليوم إن الذي يريد أن ينظم عصابة جريمة محلية أو دولية لن يجد مجرمين أكثر تمرّساً واستعداداً للقتل من أعضاء ليكود وشاس وإسرائيل بيتنا. هؤلاء يعلّمون المافيا أصول العمل.

وتبقى تهمة الاغتصاب في السويد، ولا أرى مؤامرة فيها، وإنما تهوراً من جوليان أسانج مع كيد نسائي، فالثابت أن أسانج مارس الجنس مع آنا أردين وحضر معها حفلة في اليوم التالي، وكذلك مع صوفيا ويلين مرتين في بيتها. ولم تبدأ المشاكل إلا عندما عرفت كل منهما بأنه laquo;نامraquo; مع الأخرى فقدمتا شكوى الى الشرطة، وحقق الادعاء في الموضوع وأسقط التهمة، وغادر أسانج البلاد، إلا أن الشكوى أُثيرت مرة ثانية، وأصدر الادعاء التهمة من جديد وطلب اعتقال أسانج، الذي انتهى أمام المحاكم البريطانية.

السؤال الآن من يصطاد أسانج أولاً، الإدارة الأميركية، أم عصابة إسرائيل، أم امرأتان في السويد؟