عبد الرحمن الراشد

خلال أيام يكون الجنوبيون في السودان على الأرجح قد صوتوا مع الانفصال عن الشمال لتقوم بعدها دولة من مظاهرها أنها الدولة المسيحية الأولى في المنطقة، مع ملاحظة أن المسيحيين ليسوا أكثرية سكان الجنوب؛ فالأغلبية هم جملة أصحاب معتقدات أخرى، لكن المسيحيين الجنوبيين أكثر من المسلمين، وهذا يجعلها دولة ذات ملامح مسيحية شكلا، والأرجح حكومة أيضا.

يجيء الاستقلال في الزمن نفسه أيضا الذي يمر فيه نحو أربعة عشر مليون مسيحي laquo;عربيraquo; بأزمة هي الأخطر على وجودهم في منطقة هم الأقدم تاريخا فيها، حيث يعتبرون أنهم يواجهون، بشكل خاص، تمييزا وحصارا من قبل الجماعات المتطرفة الإسلامية المؤدلجة والمسلحة. فالمسيحيون في العراق يحتفلون بعيدهم اليوم تحت حماية مسلحة ضربت على كنائسهم بعد المجزرة الأخيرة التي نفذتها laquo;القاعدةraquo;. والمسيحيون الأقباط في مصر مروا حديثا بمواجهة دامية، ومسيحيو لبنان في حالة انكماش مستمرة تزداد مع ارتفاع التوتر الطائفي، وفي فلسطين التقلص العددي أكثر حدة.

وهناك مسيحيو الأردن وسورية أقل تعرضا للمشكلات.

ومع أن التضييق، وفي بعض الحالات الإرهاب المتعمد ضد المسيحيين العرب، حقيقي، فإنه جزء من محنة كل المنطقة، حيث إن التطرف الإسلامي الموجه ضد أبناء الإسلام أنفسهم أعظم بشكل مبرمج من قبل هذه الجماعات، والحقيقة أن حجم الاستهداف ضد المسيحيين سواء في العراق أو مصر أو السودان محدود، سواء في خطاب الجماعات المتطرفة أو في ممارساتها. فعلا توجد هناك حملة ضد المسيحيين العرب، لكنهم بالتأكيد هم ضحايا العنف الشامل الذي يقوده المتطرفون. وتستهدف الحملة بالدرجتين الأولى والثانية أبناء المذهب الآخر مثل السنة أو الشيعة، وتستهدف الغالبية المسلمة التي تختلف معها في كل شيء.

مشكلة المواطن المسيحي العربي هي المشكلة نفسها للمواطن الآخر في حقوقه الفردية ومستقبله المجهول.. حالة عامة ليست خاصة بطائفة أو فئة، وعلاجها ليس عبر بناء دول أو العودة إلى زمن الغيتو. أيضا مؤسف أن هناك مشروع الهجرة شبه الجماعي الذي صار حلم المضطهد المسيحي، وهو أيضا حلم كثير من المضطهدين والفقراء والشباب من مسلمين عرب يشتركون مع المسيحيين العرب في طابور تأشيرة الهجرة نفسه كل صباح أمام القنصليات على أمل الهروب إلى العالم الأفضل.

المسيحيون أقلية ويزدادون قلة ويعيشون مثل الأكثرية بين فكي كماشة؛ أنظمة استبدادية، وتنظيمات إرهابية.. في هذا المناخ العام يحرم عليهم ما يحرم على بقية المواطنين، ولا يبدو في المنظور القريب التحول إلى عالم يسود فيه احترام حق الفرد والمواطنة المتساوية المحمي دستورا، وهذه أزمة الجميع ليس فقط أبناء الأقليات.

الحديث عن استثناء المسيحيين بالاضطهاد والإرهاب، عدا أنه ليس صحيحا، فإن فيه روح استسلام وخدمة لأهداف الجماعات المتطرفة بالتخلص من المسيحيين العرب، وإبعادا لفئة هي صاحبة أرض وحق ومكون أساسي في الثقافة العربية.