محمد فهد القحطاني

مع اقتراب العقد الأول من هذا القرن الميلادي الجديد من نهايته. ألا يحق للشعوب العربية المطالبة بوضع استراتيجية لتقييم أداء الزعماء العرب واستخدام الوسائل السلمية لتقويم ذلك الأداء عند الضرورة. لأن ما يحدث في بعض الدول العربية من احتقان ومظاهرات شعبية بسبب سواء استخدام السلطة لصلاحياتها واختصاصاتها يشير بأصابع الاتهام لذلك الأداء ويصفه بالعجز، وأقرب مثال لذلك ما يحدث في محافظة سيدي بو زيد في تونس من احتقان واحتجاج ضد التهميش والبطالة والجوع وصل مداه بإقدام شاب تونسي جامعي على قتل نفسه احتجاجا على ذلك، وكانت آخر كلماته قبل أن تنتقل روحه إلى ربها laquo;لا للبؤس لا للبطالةraquo;..
أعتقد لو قامت مراكز الدراسات والبحوث المحايدة والنزيهة بعمل ذلك لرأينا العجب العجاب ولسقط أكثرية الزعماء في هذا الامتحان. ولن يحوز على تقدير الامتياز إلا القلة القليلة التي لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة. ولدخلت في معايير تقييم أداء الزعماء عناصر نتيجتها في السنوات العشر الأخيرة لا تسر الخاطر. من مثل عنصر الحفاظ على الوحدة الوطنية. وعنصر فتح آفاق المشاركة السياسية أمام الشعوب. وعنصر المحافظة على الأمن الداخلي. وعنصر تقاسم السلطة والثروة. وعنصر محاربة البطالة والفقر وغيرها من عناصر فشل النظام السياسي العربي في المحافظة على تقييم أداء يحفظ ماء الوجه فيها..
ومناسبة حديثي ما نراه من مصير أسود يتهدد وجود الأقطار العربية نفسها. فبعد أن ضاع العراق العظيم بسبب رعونة قيادته السياسية السابقة. التي أذاقت الشعب العراقي والشعوب المجاورة مر الشكوى من مغامراتها وانتصاراتها المزعومة التي انتهت بنتيجة مأساوية لكل الأطراف، للقيادة وللشعب وللدول المجاورة. أتت داهية تفتت السودان وانفصال جنوبه عن شماله ولم يبق على زمن الإعلان الرسمي عن ذلك إلا أيام معدودة. والغريب في أمر القيادات العربية أنها لا تعرف من الحلول لمشاكلها الداخلية إلا رفع القبضة الأمنية الغليظة في وجه المطالبات المشروعة لشعوبها. واتهام كل من يطالب بحقه من الشعوب بأنه عميل يسوّق لأجندة خارجية ونعته بالخيانة وسوء الأخلاق الوطنية، وهذا ما حدث في السودان حيث إن النظام لم يحاول علاج مشكلة الجنوب إلا من خلال شن الحرب المقدسة عليه. واتهام أطرافه بكل التهم السابقة. وعندما ضاعت الأرواح البريئة واستنزفت الموارد وجاءت ساعة الاحتضار لوحدة التراب السوداني. أطلق الرئيس عمر البشير مبادرته النفط مقابل الوحدة والتي قال فيها إن بترول الجنوب سيكون كله لأهل الجنوب إذا ما صوت الجنوبيون لصالح الوحدة. إذا كان الحل السحري في أزمة جنوب السودان يتحقق بتقاسم السلطة والثروة بين الجنوب والشمال وهو مطلب مشروع ومن المساواة العادلة فلم لم يعلنه الرئيس السوداني من قبل ويكفي السوادنيين شر الانقسام والتفتت؟ لماذا انتظر حتى بلغت الروح الجنوبية الحلقوم ثم صعق الكل بحمل جديد تعسرت ولادته لأنه جاء في الوقت الضائع. هل المسألة رفع شعارات في زمن بطل فيه سحر الشعارات. ولنا الحق في هذا التشكيك وهذا التندر خصوصا وهذه المبادرة من قبل الرئيس السوداني تحصيل حاصل، لأن كل ما على أرض الجنوب وما تحتها من موارد ستكون في قبضة أهل الجنوب بعد الاستفتاء وانفصال الشمال عن الجنوب فما الجديد المغري في مبادرة ساعة الاحتضار تلك؟..
مصيبة غالبية الشعوب العربية أنها تعيش في أوطان يتزعمها مغامرون لا يتورعون عن شيء مقابل استمرار البقاء في السلطة حتى ولو كان المقابل فقدان إقليم الدولة لجزء كبير منه..
أما حديث تطبيق الشريعة في السودان واعتبار الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع وتعديل الدستور السوداني استنادا إلى ذلك إذا ما تم التصويت في الاستفتاء على الانفصال. فيذكرني بما حدث في آخر عهد الرئيس المصري أنور السادات عندما أراد أن يمرر التعديل الدستوري المتعلق بالسماح له بالترشح للرئاسة لأكثر من مرتين. ربطه بالتعديل الحاصل في مصادر التشريع وبجعل الإسلام دين الدولة، والشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع بدل النص الدستوري السابق الذي كان يعتبر الشريعة الإسلامية مصدراً رئيسياً للتشريع وهو أراد بذلك استمالة الغالبية العظمى من الشعب المصري إلى التصويت بنعم في الاستفتاء على تعديل الدستور المصري سنة 1981 وبذلك يكسب هو الأحقية بالترشح لأكثر من مرتين، ويكسب الشعب شعاراً رناناً ليس له من أثر عملي على أرض الواقع..
فهل يعيد التاريخ السياسي العربي نفسه لأننا نرى القيادات العربية تقوم بتقمص نفس الأدوار، وتقليد نفس النصوص في مسرح العبث المسمى النظام السياسي العربي. وكل ذلك من أجل ديمومة البقاء تحت أضواء السلطة.
متى تتعلم الشعوب العربية من عبقرية الفاروق عمر بن الخطاب عندما قال حكمته (لستُ بالخِبِّ، ولا الخِبُّ يخدعُني) وتتعامل مع الخطب الرنانة والتصريحات المكررة التي تنطلق من أفواه الزعماء العرب بلا خطام ولا زمام-بما تستحقه من تقييم أداء لا يرتقي بها لمستوى ضعيف.. والسلام