سعد محيو

هل حسمت سوريا موقفها نهائياً، فأدارت الظهر لكل الإغراءات الأمريكية والفرنسية، ويمّمت وجهها نحو ترسيخ حلفها الاستراتيجي مع إيران؟

نكتة الرئيس الأسد الظريفة للغاية بأنه ldquo;فَهِمَ الأمور خطأ (أي طلب هيلاري كلينتون منه الابتعاد عن إيران) ربما بسبب الترجمة أو محدودية الفهم، ولذا وقّعت اتفاقية إلغاء التأشيرات بين البلدينrdquo;، أوحت للكثيرين بذلك .

وهذا الانطباع تأكد أكثر بعد أن تسربت معلومات عن طبيعة المحادثات التي أجراها الأسد مع كبار المسؤولين الغربيين، وفي مقدمتهم رئيس الحكومة الفرنسية فرنسوا فيون ووليم بيرنز وكيل وزارة الخارجية الأمريكية . وهي كلها أوضحت أن دمشق ترفض فك الارتباط بإيران، ولا تنوي لا الآن ولا غداً الانضمام إلى التحالف الغربي- العربي ldquo;المعتدلrdquo; ضدها .

لكن الصورة ليست على هذا النحو . ليس تماماً على الأقل .

فدمشق، وعلى الرغم من عدم تبنيها النظرة الغربية إلى إيران بوصفها ldquo;خطراً وجودياً نووياً واستراتيجياً، لم تقل مرة إنها تريد العمل معها لقلب الموازين في الشرق الأوسط أو (كما يدعو الرئيس نجاد) لإقامة شرق أوسط إسلامي ldquo;خالٍ من الصهيونيين والأمريكيينrdquo; . كل ما تدعو إليه عاصمة الأمويين هو اعتراف الغرب بإيران كقوة إقليمية رئيسة والتعامل معها باحترام، كما الاعتراف أيضاً بأن النظام الإيراني لن يرضخ لا للحصار الاقتصادي- الدبلوماسي ولا للتهديدات العسكرية .

الأسد هنا يلعب دور ldquo;الناصحrdquo; للغرب لا المعادي له . وهو هنا (بالمناسبة) يلتقي مع وجهة نظر الرئيس الأمريكي أوباما ومعه مؤسسة وزارة الخارجية الأمريكية والعديد من أجنحة ال ldquo;سي . آي . إيهrdquo; ومجلس الأمن القومي، والتي تعتبر كلها إيران مجرد ldquo;مشكلة خارجيةrdquo; يمكن حلها بعاملي الزمن والحصافة الدبلوماسية، لا تهديداً وجودياً واستراتيجياً للغرب ولا حتى ل ldquo;إسرائيلrdquo; .

ثم إن الأسد، وعلى عكس نجاد الذي يريد محو ldquo;إسرائيلrdquo; عن الخريطة، يريد تسوية عبر سلام عادل ودائم معها . كما أنه، وعلى عكس نجاد أيضاً، يعتبر المقاومات الإسلامية في فلسطين ولبنان وسيلة للضغط على ldquo;إسرائيلrdquo; لا غاية لتدميرها .

باختصار: الأسد لا يريد مجابهة الغرب ولا تبنّي المواقف الإيديولوجية الإيرانية المُعادية له . إنه يريد الإمساك بالعصا الشرق أوسطية من وسطها .

في عهد الرئيس بوش كان هذا الموقف هو الهرطقة بعينها . لكن في عهد الرئيس أوباما ليس الأمر على هذا النحو . ليس بعد . لكن إلى متى؟

هنا سنكون على موعد مع التطرف الليكودي - اليميني الأمريكي، الذي لايزال مُصّراً على اعتبار إيران تهديداً وجودياً لا مشكلة سياسية، والذي قد يدفع المنطقة في أي وقت إلى شفير الحرب .

أوباما علق في شباك هذا الثنائي، حين انتصر عليه نتنياهو والكونجرس سريعاً في موقعة المستوطنات . وفي حال فشل الرئيس الأمريكي في الانتقال ldquo;من الأمل إلى الشجاعةrdquo;، كما طالبه زبغنيو بريجنسكي مؤخراً (في ldquo;فورين أفيرزrdquo;)، فإن الأبواب ستكون مُشرعة على مصاريعها أمام احتمال جرّه إلى مغامرة التصعيد الأمني- العسكري ldquo;الإسرائيليrdquo; .

وهو بالمناسبة تصعيد وشيك على ما يبدو . وقد يكون هدفه الاستراتيجي الرئيسي ليس إيران بل تغيير موقف سوريا منها . ولذا، يتعيّن على الرئيس الأسد أن يكون حذراً، حتى وهو يلقي النكات الظريفة للغاية .