محمد خليفة

أثارت مصادقة الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف على العقيدة العسكرية الجديدة لبلاده انتقادات واسعة من حلف شمال الأطلسي، حيث اعتبر الحلف أكبر خطر على أمن بلاده في ظل توسعه باتجاه الحدود الروسية وقيامه بنشر منظومة الدرع الصاروخية التي من شأنها أن تقوض الاستقرار العالمي . وحدد ميدفيديف في الوثيقة سياسة بلاده في مجال الردع النووي حتى عام 2020 مانحاً روسيا الاتحادية الحق في استخدام السلاح النووي لصد أي عدوان ضدها أو ضد حلفائها، واستخدام قواتها خارج حدودها بهدف حماية مصالحها ومواطنيها والمحافظة على السلم والأمن في العالم .

ولعل هذه المصادقة على العقيدة العسكرية من أقوى الضربات التي توجهها روسيا الاتحادية الى الرأسمالية والمؤسسة العسكرية الغربية، باعتبار أن السلوكية الليبرالية لا تؤمن إلا بالحقيقة المادية وبالسببية الميكافيلية . إذ ترى أن القوى الغربية تهدف الى تدمير الايديولوجيات الأخرى والثورة الإصلاحية الجديدة التي تعيشها روسيا، والنقيضة للفلسفة المدرسية البرجوازية الاحتكارية، حيث تشكل السياسة الرأسمالية عاملاً نشطاً للتأثير إن كان في العمليات الاجتماعية أو السلوك البشري الفردي، فهي ظاهرة اجتماعية لها سمات مشتركة مع ظواهر أخرى مثلما لها سمات خاصة بها . وتهتم بجوهر سلطة الدولة ومحتواها وشكلها في علاقتها مع الدولة، ومكانة القانون في نظام الأصول الاجتماعية ووظائفه السياسية، والعلاقات الحقوقية، ووضع الفرد الحقوقي والتربية القانونية كجزء من التربية الأخلاقية وغيرها .

وتتنوع منطلقات العلماء لإدراك وتقويم دورهم في السياسة حيث إن الليبرالية ونزعة المحافظة الجديدة - هما نوعان من أنواع ايديولوجية البرجوازية الاحتكارية، ومعاديان بنفس الدرجة والنسبة للاشتراكية وللايديولوجيات غير الغربية ،التي تنتمي لمجموعة من التراكيب التي تخضع لبنية الضمير الزمانية والمكانية . وبما يستطيع الإنسان أن يسمو فوق الحدود الضيقة من التمايز الفيزيائي والذي يبرز فيها النظام السياسي من خلال مختلف المؤسسات المدنية للمجتمع، وإليها تنتمي الأنظمة السائدة في البلدان الرأسمالية المتطورة، والمكونة من تلك التفاعلات والعلاقات المتبادلة التي تتوزع بواسطتها القيم في المجتمع، وتدفع أكثرية أفراده لقبول هذا التوزيع بصورة الزامية بحيث يؤدي الى انهيار النظام السياسي كما حصل للدول الاشتراكية، ليصبح هذا الانهيار نقطة تحول تدفع بمسار التاريخ إلى اتجاه جديد .

فقد كان الاتحاد السوفييتي إحدى القوتين العظميين حتى السبعينات من القرن الماضي، لكنه خلال سنوات معدودة ما بين 1989 - 1991 بدأ في الانهيار وتفكك الى جمهوريات خلال عقد التسعينات بسبب عدم قدرته على الإصلاح القيمي، وتطوير ايديولوجيته الجامدة .

والنظام يدخل ضمن الأنظمة المكشوفة أي أنه عبارة عن نظام للسلوك يدرج ضمن الوسط المحيط المكون من عوامل فيزيائية وبيولوجية ونفسية والتي بدورها تؤثر وتتأثر في نظم كل الأفكار السياسية المعراة عن كل ما هو محسوس وخارج معقولية التاريخ، وبالرغم من أن العلماء البرجوازيين يعتقدون بإمكانية قيام علم السياسة بدور المثالية المتعالية في المجتمع المعاصر، بحيث تهيئ النور الذي يضيء علاقات سائر البشر وبأسرها وغاياتها في ذاتها في بدء وجود الإنسان، وإرادة البرهان في وحدة الطبيعة والتطور العلمي في تكوين الرأي العام، وفاعلية اللأنا التي نادى بها الفيلسوف جيه في آينيرن وتأثيره وسعيه الى جذب علماء الفلسفة والسياسة وغيرهم الى الجهاز الهندسي للفعل وخطوات التعاون المتبادل بين علماء السياسة وممثلي المؤسسات الحكومية الى عمل واع جماعي يهدف الى تشكيل نوع من المجتمع الذي يستطيع أن يوفق بين فكرة الحرية وفكرة الضرورة وذلك بواسطة فكرة المعقولية .

فالأفعال المعقولة حرة لأنها صادرة عن الذات، وضرورية لأنها صادرة عن مقتضيات العقل وفق العملية الديناميكية، وهذه تتم بفضل المادة الفعالة بهدف تثبيت الأسس النظرية، ومن بينها النموذج التكنوقراطي والاستشاري والبراغماتي، لكن هذه النماذج تقوم على تصورات الفلسفة الإيجابية بصدد جوهر المجتمع التجريبي الذي يجري تصويره بصفته المجتمع المنسجم تجاه الممارسة التجريبية للفكر غير المتحيز للواقع الرأسمالي، وكان يلعب دوراً نشيطاً في الصراع الطبقي متطوراً ووطنياً وشاملاً ويبحث في بناء سلطة الدولة ويعتبرها المسألة الجذرية لأية ثورة، في صورة مثالية المعرفة الديمقراطية الشفافة لجميع الهيئات والمنظمات الاجتماعية بالمباراة السلمية بين مختلف النخب المتنافسة السياسية والعلمية والدينية والايديولوجية وغيرها، وتمارس الجماهير العامة وهيئاتها التمثيلية السلطة السياسية والمصلحة المتبادلة بين الفئات المختلفة توحدها جميعاً في مجال المحافظة على نظام الدولة والهوية بين الذات أو الامتثال وبين الموضوع الذي يفسر المعرفة .

ويحاول العلماء وضع تصنيف الطبيعة الشافية بما يسمى بالقوة العليا، كنموذج مثالي باعتبارها الثقافة البلورالية القائمة على أساس التفاعل المتبادل والإيمان، وينظرون بمزيد من الشك الى الثقافة الآفرو-آسيوية السياسية، ويزعمون أن ثقافات الولايات المتحدة وبريطانيا السياسية تنسجمان مع الثقافة المدنية والفعالية اللا واعية والعمياء في سلوكها الآلي، والإرادة وفقاً لغايات وأغراض الفاعلية الفنية والتي تحل النزاع بين العقل النظري والعقل العملي، وتنشئ الموضوع الذي هو العقل شي واحد ولكن لا قيام للإرادة الفردية، وللأنا العملي والشعور بالحرية من دون تبادل الفعل بين الكائنات العاقلة، مما لا يمكن أن يتم إلا في نطاق عالم مختلف المواهب والمذاهب، وبما يستطيع أن ينقل حريته بقدر ما يزيد فعله وفق محاور نواميس العالم العميق، الذي أشار اليه الرئيس الروسي ديمتري ميدفيدف بتأكيده على تنازع البقاء، وإنما أيضاً تنازع القوة والسيطرة . فالنزاع الكبير يدور في كل مكان، ومن كل الوجوه حول السيادة والنمو والاتساع حول القوة، وتبعاً لإرادة القوة التي هي إرادة الحياة .