خالد الفرم


تعكف الكثير من المؤسسات الحكومية والخاصة، بل حتى الأفراد من القيادات والنخب الإدارية على صناعة صور ذهنية إيجابية عن المؤسسات من جهة، وأداء القائمين عليها من جهة، بهدف خلق انطباعات إيجابية، لدى المجتمع وصانع القرار، وهذا سلوك إداري مشروع، في حال تم التقيد بمعايير الواقعية والمصداقية.
وفي إطلالة سريعة على كيفية مقاربة بعض المؤسسات الخدمية لصناعة الرأي العام السعودي، نجد أن سلوك القائمين على بعض المؤسسات الخدمية ينقسم إلى نوعين، الأول (فريق التكثيف الإعلامي) الذي يعتمد على النشر الصحافي المكثف عن حراك المسؤول الأول في المنشأة، والإعلان عن بعض الأفكار المستقبلية، والقسم الآخر (فريق الصمت) الذي يعتمد التعتيم المعلوماتي، والتواري عن الأنظار الإعلامية قدر الأمكان.
والنوع الأول يخطئ عندما يعتقد أن صناعة الرأي العام السعودي، وبناء الانطباعات الإيجابية؛ تعتمد على معدل نشر الأخبار الإعلامية والصور الصحافية فقط، دون منجزات واقعية على الأرض، مما يعود سلبا على صورة المنشأة والقائمين عليها لدى المجتمع والمنظومة الإدارية. فطبيعة تناول المجتمع السعودي للأخبار لا تتم بطريقة أحادية، فالأفراد قبل هضمهم للأخبار يعودون إلى مرجعياتهم الفكرية والأسرية والمجتمعية، بمعنى أن النخب المتعددة وقادة الشرائح المجتمعية تفسر وتلون الأخبار لأفراد قطاعات مجتمعهم وتوجهها وفق معطياتهم المعلوماتية، وتجاربهم الشخصية.
وهنا يبرز التحدي الأكبر، فإذا كانت المنجزات على الأرض متواضعة، فالصورة بطبيعة الحال ستكون سلبية، وهذا أيضا يعتمد على واقع سلوك المسؤول في إدارة المؤسسة الخدمية، خاصة لدى جمهور المنشأة الداخلي، الذي يتجاوز في بعض الأجهزة آلاف الموظفين، بمعنى أن البداية تكون أولا بإقناع الجمهور الداخلي بالإنجاز والتغيير والإصلاح، قبل إقناع الجمهور الخارجي، أو حتى صانع القرار بالمنجزات المحققة أو الأفكار المقترحة.
أما القسم الآخر من القيادات الإدارية التي تتجنب الإعلام، خوفا من النقد والمساءلات الإعلامية، والعمل بصمت، فهم يخطئون أيضا في تجاهل حق المجتمع والنخب الوطنية في معرفة واقع عمل مؤسسات الوطن واستراتيجياتها واتجاهاتها المستقبلية، ويعطي في الوقت ذاته انطباعا سلبيا عن صورة المؤسسة والقائمين عليها، ويسهم في نشر الشائعات والأخبار السلبية.
وكلا الفريقين، يتعثران في كسب رضى الرأي العام، وهو هدف مستحق لكافة أجهزة المنظومة الإدارية، وذلك بسب عدم وجود تقييم مستقل لأداء المؤسسات الخدمية، من جهات مستقلة متعاونة مع مؤسسات المجتمع المدني، وكذلك عدم معالجة أولويات الجمهور الداخلي والخارجي للمؤسسة، وضعف الوعي الإعلامي في كيفية إدارة الرأي العام السعودي، ومعرفة محركاته، كما أن طبيعة المجتمع السعودي، تجعل من صانع القرار لا يركن فقط إلى البيانات الصحافية للمسؤول عبر وسائل الإعلام، أو الانتقادات الصحافية نحو المسؤول التي لاتقوم على أدلة أو براهين، مما يصعب من عملية صناعة الصورة الذهنية الإيجابية، ويزيد من تعقيداتها، في ظل مجتمع متشابك، وإعلام جديد، وصحافة وطنية.