احمد المرشد

اخيرا وبعيدا عن الاجواء الاحتفالية في واشنطن ببدء المفاوضات المباشرة .. نجح الأمريكيون برغبة إسرائيلية حميمة في لم الفلسطينيين والإسرائيليين الى استئناف هذه المفاوضات والتى يفترض ان تبدأ دون شروط فلسطينية مسبقة مثل ضرورة وقف الاستيطان اليهودي بكافة صوره واشكاله في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وانهاء الاحتلال واعلان الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس مع ترتيبات امنية مقبولة.. ولكن مع انتفاء الشروط الفلسطينية، فرضت إسرائيل شروطها والتي املاها بنيامين نيتانياهو لواشنطن وهو ذاهب الى تدشين احتفالية بدء المفاوضات المباشرة. وترتكز هذه الشروط على ثلاث مزاعم رئيسية هي : ترتيبات امنية متينة وواضحة ميدانيا والاعتراف بإسرائيل دولة قومية لليهود والاعلان عن انهاء الصراع بالتوصل الى اتفاق سلام بين إسرائيل ودولة فلسطينية منزوعة السلاح . وهنا يدعي نيتانياهو انه لن يخوض في مسألة حدود الدولة الفلسطينية ولن يشكل طاقم مفاوضات قبل الانتهاء من الترتيبات الامنية التي ستكون اولى المسائل التي يريد بحثها شخصيا مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس ( ابو مازن).. وكذلك ان تضمن هذه الترتيبات انه لن يتم اطلاق قذائف صاروخية على تل ابيب، وهذا شرط ضروري قبل التوصل الى اتفاق سلام مع الفلسطينيين. وتشمل الترتيبات الامنية التي تريدها إسرائيل ايضا، بقاء قوات عسكرية شرق حدود الدولة الفلسطينية بعد قيامها في غور الاردن لفترة 10-15 سنة على الاقل، لضمان عدم ادخال اسلحة الى الدولة الفلسطينية.
نستشف من هذه البداية ان المفاوضات ستكون بلا مستقبل أو يتيمة الهدف، لان الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي والراعي الأمريكي لم يتفقوا او يتعبوا مطلقا من اجل الاتفاق على مرجعيات محددة لاستئنافها. فهم اصلا لم يتوصلوا لنتيجة تذكر على مدى عام تقريبا واكثر من 16 جولة لجورج ميتشل مبعوث السلام الأمريكي ومفاوضات اطلقوا عليها مفاوضات غير مباشرة. ولكن تم الانتقال من غير مباشرة الى مباشرة بضغط أمريكي من اجل تحسين صورة إدارة باراك اوباما قبيل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي، وكذلك من اجل عيون نيتانياهو الذي صرخ كثيرا بغرض الانتقال الى تلك المفاوضات المباشرة. وهو الذي قال :laquo; المسافة بين القدس ورام الله لا تتعدى الدقائق، وعلى من يريد حقه ان يجلس معنا مباشرة laquo;.
واحقاقا للحق، فالدور الأمريكي ليس سلبيا تماما تجاه الجانب الفلسطيني رغم رسالة سيئة السمعة التى ارسلها اوباما لابو مازن وهي رسالة العصا والتهديدات وخلت تماما من الجزرة، فإدارة اوباما تعهدت بالتزامها بحل الصراع على اساس قيام دولة فلسطينية مستقلة الى جانب إسرائيل، خاصة وان المعطيات الجديدة دفعت أركان الإدارة الأمريكية الى الافصاح بان السلام فى الشرق الاوسط هو مصلحة قومية للولايات المتحدة، وان اي عرقلة تمنع التوصل لهذا السلام قد تضر هذه المصالح القومية الأمريكية. ويقودنا هذا التعهد الأمريكي الى القول بان نجاح هذه المفاوضات يعتمد بقدر كبير على مدى قوة الضغوط الأمريكية على حكومة نيتانياهو واجبارها على الالتزام بمرجعيات السلام المعروفة.
اولى هذه الضغوط تصب باتجاه ضرورة دفع حكومة إسرائيل الى تجميد الاستيطان بصورة كلية وليست جزئية. فالمعروف ان حكومة نتيانياهو حددت انهاء فترة التجميد المؤقت في 26 سبتمبر الجاري، اي بعد 3 اسابيع تقريبا من بدء المفاوضات المباشرة، وهو ما يضعها على المحك وهى لا تزال تحبو. فالفلسطينيون اكدوا للأمريكيين والاتحاد الأوروبي انه اذا قررت إسرائيل استمرار الانشطة الاستيطانية ، فانها بذلك تعلن وقف المفاوضات، لان عملية التفاوض تتعارض في الاساس مع نهب الارض وقضمها.
بيد ان ثمة ملاحظة جديرة بالانتباه، وهي تسابق بعض المسؤولين الأمريكيين الى وضع الطرفين الفلسطيني والإسرائيليين على المحك والتشكيك بالنوايا الصادقة لاستئناف المفاوضات، خاصة وان مسؤولا أمريكيا قال ان الإسرائيليين يلعبون بورقة الاستيطان، في حين يلعب الفلسطينيون بورقة الامن. المفارقة في اقوال هذا المسئول الأمريكي الغائب عن الوعي، انه لم يعترف بان إسرائيل هي التي ترفض وقف الاستيطان وتتلاعب بالامن وليس الفلسطينيين، فهم لا يتحكمون فيه. ويزايد هذا المسؤول على الفلسطينيين بقوله :laquo; ان عليهم عدم القيام باي خطوات تجهض المفاوضاتraquo;.. هذا رغم ان هذا المسؤول يعلم تماما ان حكومة نيتانياهو هي التي تعيش لحظات عصيبة حاليا بسبب المستوطنات. فرئيس الوزراء الإسرائيلي يواصل ضغوطه على اوباما لاقناع ادارته باستئناف بناء المستوطنات، وهنا بدأ الإسرائيليون مبكرا لعبة laquo; عض الاصابعraquo;، فالاحزاب الدينية واليمين المتطرفة تهدد بالانسحاب من حكومة نيتانياهو اذا اعلن استمرار تجميد الاستيطان لفترة اخرى، ودعوا الى عدم رضوخه للضغوط الأمريكية. ويكفي هنا الاشارة الى تصريحات وزير خارجية إسرائيل التى اعتبر فيها المفاوضات المباشرة بانها مجرد احتفالية لن تسفر عن اتفاق سلام فى غضون عام، لانه لا توجد وصفة سحرية تهي الصراع وحل كل القضايا المعقدة خلال هذه الفترة المحدودة.
ولزاما علينا هنا ان نشير الى لعبة تبادل الادوار في إسرائيل، فاحزاب اليمين بالاتفاق مع نيتانياهو تمارس عليه حملة سياسية قوية لاثنائه عن اتخاذ قرار بتجميد المستوطنات، ليظهر امام الأمريكيين والأوروبيين بانه يكافح من اجل استئناف المفاوضات المباشرة وانه على الجميع التوقف عن ضغوطهم عليه، ويكفيه مشكورا ضغوط اليمين الإسرائيلي ضده، ليظهر بمظهر المسكين الذي يضحي من اجل السلام.
ويكفي ان نقول إن المفاوضات المباشرة هي مفاوضات تفتقر الى استراتيجية ومرجعية حقيقية تجعلنا نتخيل استمرارها، على عكس المفاوضات السابقة التي كانت مرجعيتها واضحة مثل خارطة الطريق على سبيل المثال . وقد اخطأ الأمريكيون بتحديد فترة زمنية لهذه المفاوضات، لان هذا يدخلها من حيث التوقيت على نهايات فترات ولاية اوباما الاولى وكذلك الحكومة الإسرائيلية.. ناهيك عن ان الدعوة الأمريكية وبيان الرباعية الدويلة لم يتركا أمام العرب أو الفلسطينيين خيارا سوى القبول باستئناف هذه المفاوضات رغم ما هو واضح من تعنت إسرائيل وغياب إرادة السلام لدى حكومتها اليمينية .
فالضمانات الأمريكية للجانب الفلسطيني والعربي شبه معدومه اللهم سوى بعض التصريحات التي تخرج من بعض مسؤولي الإدارة الأمريكية بدعم تلك الفاوضات لحين التوصل الى اتفاق سلام. فواشنطن لم تمارس ولن تمارس دورا لوقف الاستيطان الإسرائيلي، وهذا في حد ذاته يفقد المفاوضات اسباب نجاحها او ان تحقق أية نتائج إيجابية. صحيح أن الدول العربية لا تملك الاعتراض على بدء المفاوضات المباشرة رغم مساعيها واتصالاتها بهدف الوصول إلى صيغة مقبولة لبدء المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. فرغم تمسك العرب والفلسطينيين بضرورة إصدار اللجنة الرباعية بيانا يرسم طريق التفاوض المباشر مع إسرائيل، فان تل ابيب رفضت بيبان الرباعية. ويقابل هذا تخلي الولايات المتحدة عن دورها كراعٍ نزيه في عملية السلام، فهي لا ترغب في ممارسة ضغوط قوية على إسرائيل، في حين تضغط بقوة على الطرف الفلسطيني حتى دفعته القبول باستئناف المفاوضات. ووجدنا انه بينما منعت هيلاري كلينتون الفلسطينيين من تحديد شروط مسبقة، لم تمنع نيتانياهو ووزرائه من تجديد لاءاتهم القديمة: شرط اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي، لا قرار لتمديد تجميد العمل في المستوطنات، وضرورة ضمان امن إسرائيل، رغم ان الجيش الإسرائيلي هو الذي يهدد امن واستقرار الشعب الفلسطيني.