عبداللطيف الزبيدي

عيديّتان متميّزتان تجعلان العرب والمسلمين يتميّزون غيظاً: التعطش إلى إحراق المصحف، وتقسيم السودان المحتوم . والنتيجة المستخلصة ببساطة، هي أن الدين والسياسة في ديمقراطية الولايات المتحدة يستبيحان حرمات العالميْن العربيّ والإسلامي . القس جونز وهيلاري كلينتون وجهان لعملة واحدة، أوَلمْ يكن بوش يتحدث باسم الدين وهو سياسيّ؟ أوَليس القس جونز يتحدث بلسان الساسة والعسكريين حين يقول: ldquo;نريد أن نقول لهم: نحن هناrdquo;؟ أوباما يقول للمسلم: لا تقس على القسّ .

حين أعلن الدبّ الأمريكي ldquo;شوارتسكوفrdquo; تهديده بمحو العراق من الخريطة، ازددت يقيناً من أن على الوطن العربيّ (الشعوب طبعاً)، أن يلقي بالثقافة السياسية السائدة في المجاري، فليس بهذا الهوان تقوم للأمم قائمة . وإذا كان لرعاة البقر أن يعطونا دروساً في الحضارة، فالأفضل هو أن نتعلم من الحيتان ثقافة الانتحار الجماعي، في الحقيقة نحن نمارس هذا الانتحار ولكن بالتقسيط المريح .

على ذكر البقر، لقد كانت البقرة معلمتي الأولى في الهويّة والسيادة، ففي سن السادسة كنت عائداً من المدرسة في مسقط رأسي ldquo;توزرrdquo;، أمشي أفقيّاً كالسلطعون، وظهري إلى الجدار، إذ كان الرصاص يلعلع بين ldquo;الفلاّقةrdquo; (المقاومة الشعبية) وقوات الاستعمار الفرنسي، في تلك اللحظات الرهيبة،كانت بقرة تعبر الشارع، فهوت مضرجة بدمائها وسط الطريق، ولكنها ظلت تنظر إليّ والدماء تشخب من فمها، وأنا متسمّر في مكاني ودموعي تنهمر . ومنذ تلك اللحظات تشكل قاموس نظرتي إلى المحتلّ، يمكن أن تغيّر الهمالايا موقفها وموقعها، وأمّا موقفي من أيّ احتلال وأيّ محتلّ فلا .

معذرة، تقصير الجاحظ الذي علمني الاستطراد، لكن الاستطراد هنا ليس خروجاً عن الموضوع أو عليه، فهو والطراد من جذر لغويّ واحد، إلاّ أن الأمّة نسيت ذلك .

عوداً على بدء: ما أهميّة الاستفتاء في السودان إذا كانت وزيرة خارجية القوة العظمى قضت بأن انفصال الجنوب السوداني حتميّ؟ وهي ترى أن التقسيم سيفجرّ حرب بسوس، الحتمية تنفي الاستفتاء لزوال الاحتمال . وكيف يكون إحراق المصاحف حرّية تعبير، والتعبير عن الامتعاض من هذه السياسات فاشيّة إسلامية؟ محو المدن والقرى دفاع عن النفس، وإلقاء حجر على دبّابة إرهاب؟ حساب قانون الغاب أوكلناه ليوم الحساب .

ما لا يريد النظام العربيّ إدراكه هو أن هذا الخط غلط، وما يبعث على الأسف هو أن أعداء هذه الأمّة هم أفضل أساتذتها، لأن الأمر لم يعد قضيّة اختلاف في وجهات النظر، فالحلّ في الغريزة: صراع البقاء، والباقي افتراء وهراء .