محمد الرميحي

اليوم هو أول أيام العام الميلادي الجديد 2011 يطلل علينا معلنا مسبقا عن أزمات لا يمكن أن يخطئ توقعاتها العاقل. إلا أني أريد أن آخذ القراء في هذا المقال حول ما لفت نظري أكثر، وما زال عالقا في ذاكرتي، سلبا أو إيجابا، من صور مرت علينا في العام الذي مضى، لعل في ذكرها شيئا من الفائدة ألما أو أملا.
الصورة الأولى صورة السيدة السودانية في أحد ميادين مدينة سودانية وهي تقفز من لسعات السياط، التي يتناوب عليها اثنان من الشرطة، كانت تقفز مولولة، والسياط تنزل بقسوة، مرة على صدرها وأخرى على ظهرها وثالثة على وجهها، وتحاول الإمساك بالسوط بيدها العارية كي تتفادى لسعاته فيأتيها سوط آخر. كان منظرا بشعا وغير إنساني، يحدث في العشرية الأولى من القرن الواحد والعشرين، لم يعرف أحد أي ذنب اقترفته تلك السيدة المسكينة، ولا أي محكمة حكمت بهذا العنف الفظ، فأي ذنب مهما بلغت فداحته لا يسوغ مثل هذا العقاب العلني، ولا أي شخص فيه ذرة من العقل يأمر بتنفيذ ذلك الحكم. إنما صورة السيدة وهي تتقافز من لسع السياط، وكأن من يضربها يتلذذ بذلك الفعل الشائن، سوف تبقى في مخيلتي، وهي من أسوأ الصور، فحتى الحيوانات تعامل بأفضل من ذلك.
الصورة الثانية، التي لم تعجبني وتنبئ أيضا عن وضع عربي لا أعرف كيف أصفه، هي صورة الزعيم معمر القذافي، في وسط الصورة الرسمية التي التقطت لآخر قمة عربية، وهو يضع ساعدي يديه الاثنتين على منكب جيرانه يمنة ويسرة في الصورة. احترت كيف أفسرها، ثم جاء البعض في الإنترنت ولعب بها كما يريد وأرسلها إلى عشرات الآلاف من البشر. هل هي نكتة؟ وهل يجوز الهزل في المقام والمكان ذاك، هل هو استهزاء بالمناسبة وأهلها والموقف كله؟ لا أعرف، ولكنها ستبقى - في نظري على الأقل - من صور 2010 المميزة التي تقول - رغم كونها صورة - الكثير عن أوضاعنا العربية؟
أما الصورة التي أعجبتني، بل وفخرت بها في عام 2010، وما زلت، فهي صورة أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة وزوجته الكريمة السيدة موزة وابنهما في لحظة إعلان اختيار قطر مكانا للمونديال الكروي في عام 2022، تلك الصورة اللحظية والعفوية بما فيها من فرحة واحتضان لأسرة بأفرادها، في لحظة الفوز بعد جهد، أفرحتني كثيرا. فها هي دولة خليجية - صغيرة بحجمها - كبيرة بتصميم قيادتها، تقول للعالم، إنك إن أردت وخططت تستطيع أن تحقق الفوز، الأجمل أنها عائلية وحميمية وتلقائية، مبروك لقطر وللعرب، لقد كان فوزا مستحقا.
الفرحة الأخرى التي أسعدتني في عام 2010 هي صدور المجلة الجغرافية الأميركية الشهيرة باللغة العربية من أبوظبي، هذه المجلة هي جامعة مفتوحة للعرب، وقد صدرت منذ سنوات بعيدة - أكثر من قرن من السنين - في الولايات المتحدة، ثم صدرت لها طبعات بلغات عالمية أخرى، كان آخرها اللغة العربية، وقد قيل أن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي. ملاحظتي عليها بالعربية أنها تحتاج إلى دقة أكثر في التحرير، ولقد وجدت أن عدد ديسمبر (كانون الأول) الفائت فيه مقال جميل، بل رائع عن الإمارات في عام 1948 وقتها كان اسم المنطقة المعروف laquo;الساحل المتصالحraquo; والمقال (الدراسة) مكتوب على طريقة المجلة الدولية من الدقة والإتقان، إلا أن الترجمة لم تعتن كما ينبغي، فقد جاء في النص حديث عن التمر ثم قال المقال laquo;الذي تخلو منه أية مائدة..raquo;، طبعا المراد واضح وهو laquo; لا تخلوraquo;، وسقطت الـlaquo;لاraquo; فاختل المعنى، حاولت أن أكتب للزميل رئيس التحرير عن الخطأ على عنوانه الإلكتروني المنشور في المجلة، فعادت إلي الرسالة!! لم أكتب عن المجلة لأقول ما قلت فقط، ولكن لكي أزيد أن المقال/ الدراسة التاريخية الجميلة عن laquo;الساحل المتصالحraquo; جاء فيها توصيف لشظف العيش الذي قاسى منه أهلنا هناك، كما قاسى كل أبناء الخليج قبل تصدير النفط، مع الأنفة والتعفف. قال المقال، إنه بسبب نقص الإدام، في بعض الأوقات توضع بيضتان على طبق الرز المقدم للأكل، ولكن البيضتين لا يلمسهما أحد من المشاركين في الوليمة، حتى قال الكاتب إنهما تسودان من كثرة عرضهما تكرارا على الآكلين لأكثر من وليمة. وهذه إشارة أولا تظهر التعفف، وثانيا توصيف سوء الحال وقتها، الذي يعرفه من بقي من ذلك الجيل حق المعرفة ويحمله الآباء بكل شجاعة، لذلك نجد أن استنكارا عم ضد إحدى الشركات لما أعلنت أنها سوف تزين شجرة عيد الميلاد لعام 2010 في أحد فنادق أبوظبي بما يساوي 11 مليونا من الدولارات من المجوهرات، من يتذكر البيضتين ثم يقفز إلى الـ11 مليونا يفزع، فما هكذا التحسس الإنساني في أهلنا هناك. وحسنا فعل المسؤولون بعدها أنهم لم يسيروا في ذلك المشروع الذي ربما يكون استفزازيا للكثيرين، أما مشروع المجلة، فهي مرة أخرى كافتتاح جامعة على سوية عالية يستفاد منها بعدد قرائها، ومبروك.
صورة أخرى لعام 2010 وهي صورة عالمية، لقد سقطت نهائيا حدود التعتيم والأحاديث خلف الأبواب، فمع نشر وثائق laquo;ويكيليكسraquo; التي عمت العالم وشغلت الناس، وفوجئنا فوق ذلك بأن موقعا على الإنترنت وبلغة عربية فصيحة يترجم ما خص البلاد العربية من تلك الوثائق، ويجعلها متاحة للقارئ العربي الذي لا يجيد لغة أخرى، وهم قطاع واسع من العرب. عالميا لم تعد هناك أسوار تمنع نقل الخبر وبالصورة، حتى لو قامت الدول برفع جدران الممنوع. هذه صور الاحتجاجات في تونس تطوف على كوكب الأرض، وتلك الصور من اليمن تطالع من يريد أن يعرف ماذا يدور هناك، وهكذا.
المؤسف أن البعض ما زال يعتقد أنه يمكن أن يمنع الخبر أو يمسح الصورة. في القرن الواحد والعشرين لم يعد ذلك ممكنا، كل ما يحتاجه المرء، هو أن يكون في المكان المناسب في الوقت المناسب وحاملا تليفونا جوالا بكاميرا صغيرة، ذلك ما يحتاجه المواطن لينقل الخبر في لحظة وقوعه إلى العالم الرقمي الذي سوف يوزعه في التو