رضوان السيد

قرارٍ رئاسي، والرئيس الأميركي في إجازة الميلاد ورأس السنة، قرر أوباما تعيين سفيرٍ أميركيٍ في سوريا. والحديث عن السفير الأميركي وعودته إلى دمشق يعود لقُرابة العام، والكلام المعلَن أنّ العرقلة أتت من الكونغرس. لكنّ الأميركيين تحدثوا في الشهور الأخيرة؛ وبخاصةٍ بعد حملة الرئيس السوري عليهم من طهران قبل شهرين ونصف، عن أزمةٍ في العلاقات مع سوريا حالت دون عودة السفير. وهكذا فالظاهر أنّ الأزمة زالت أو هي في طريقها للزوال. ويحدث هذا الانفراج بينما يزداد التأزُّم في المجال الفلسطيني الإسرائيلي. والتشدد الإسرائيلي معروفٌ منذ مجيء نتنياهو إلى رئاسة الحكومة الصهيونية قبل سنتين أثر الحرب على غزة أواخر عام 2008. إنما الجديد والطارئ أنّ الأميركيين أيضاً دخلوا في أزمة مع حكومة أبومازن عندما أعلنوا تخليهم عن مطالبة إسرائيل بوقف الاستيطان، ثم أعلنوا قبل عشرة أيامٍ أو أقلّ تخلّيهم عن حدود عام1967 للدولة الفلسطينية العتيدة. وقالوا من جهةٍ ثانيةٍ إنهم تخلَّوا أيضاً عن خطتهم السابقة للمفاوضات غير المباشرة، فالمباشِرة (والتي عطّلها ظاهراً استمرار الاستيطان أو دعوته)، وإنهم يسعَون الآن لتحقيق quot;اتفّاق إطارquot; يسمح بإقامة الدولة الفلسطينية أو الإعلان عنها من جهة، وحلّ المشكلات العالقة (قضايا الحلّ النهائي) خلال السنوات القادمة. وقد غضب لذلك الفلسطينيون وعرب الجامعة، فأقلعوا عن العودة للتفاوُض، وقالوا إنهم سيذهبون إلى مجلس الأمن لطلب قرارٍ بإدانة الاستيطان ووقْفه. وكان الفلسطينيون (وبدعمٍ عربي) يريدون الذهاب إلى مجلس الأمن قبل أعياد الميلاد ورأس السنة، ثم أجّلوا الذهاب إلى الاُسبوع الأول من الشهر الأوَّل من عام 2011 قائلين إنهم يراعون في ذلك الجانب الأميركي. لكنّ الأميركيين عبَّروا عن عدم رضاهم رغم المُراعاة، فأجاب الفلسطينيون (ومعهم العرب الآخرون): بل سنذهب للحصول على الفيتو الأميركي!

فما هي معالم quot;اتفاق الإطارquot; التي يريد الأميركيون إبرازها لإرضاء الجميع أو إسكاتهم، أي الفلسطينيين والإسرائيليين؟


يقول الدبلوماسيُّون الأميركيون إنّ المسائل الرئيسية العالقة ثلاثٌ وهي: إعلان الدولة في حدود عام 1967، وقضية القدس، وقضية اللاجئين. وفي المسألة الأُولى؛ فإنّ الحدود المذكورة تحول دونها المستوطنات في الضفة الغربية. والأميركيون (ومعهم الأوروبيون ربما) يرون الآن أنه ينبغي القول: في حدود عام 1967 مع إمكانيةٍ لتبادُل الأراضي، بحيث يستطيع الإسرائيليون الاحتفاظ بالمستوطنات الكبرى، ويأخذ الفلسطينيون بدلاً عنها بالمساحة ذاتها أراضي أُخرى في أمكنةٍ أُخرى. وفي المسألة الثانية، أي مسألة القدس، يرى الأميركيون والأوروبيون والفاتيكان أنه ينبغي أن تكونَ لها إدارةٌ دوليةٌ، وتحصل الدياناتُ الثلاثُ على أماكنها المقدَّسة، وتظلُّ المدينةُ عاصمةً في جزءيها للدولتين الإسرائيلية والفلسطينية في تفاصيل كثيرةٍ ودقيقة بحسب أحياء المدينة وسكّانها. ويعتقد الغربيون أنهم بذلك يراعون إصرار الطرفين على أن تكون المدينة المقدسة عاصمةً لهما، ويراعون أيضاً حقوق الديانات الثلاث. وبذلك لا ينطبق على مدينة القدس، ما ينطبق على بقية حدود عام 1967، بسبب الطبيعة الدينية الخاصة للمدينة. أمّا المسألة الثالثةُ، أي قضية اللاجئين؛ فالغربيون يعملون على عودة عددٍ محدودٍ؛ في حين يأخذ الآخرون (وهم الكثرة الساحقة) تعويضات، ويستطيعون العودة إلى أراضي الدولة الفلسطينية الجديدة، فيكون القرار الدولي رقم 194 لعام 1948 قد نُفِّذ بشكلٍ من الأشكال! وإذا وافق الطرفان الإسرائيلي والفلسطيني على هذه الأمور، فيمكن إعلان الدولة خلال ثلاثة شهورٍ. وإذا كان من الضروري أن يكونَ التفاوُض ذا إطارٍ دوليٍّ واسعٍ تدخل فيه سوريا، ويدخل فيه لبنان (باعتبارهما أصحاب أراضٍ محتلة)، فقد تقع مدريد-2، ويتأخَّر الإعلان بعض الوقت.
تبدو هذه الخطّة الجديدة، وغير المؤكَّدة في تفاصيلها، مثل الأُحجيات المملوءة بالصخور والحُفَر، والتي يمكن أن تتعطَّل عند كلّ منعرجٍ، ويعود الانقطاع، وتعود أخطار الحرب. وربما من أجل ذلك كان الأوروبيون يرون أنّ الأسهَل المبادرة إلى إعلان الدولة من مجلس الأمن، ثم الضغط على إسرائيل لإنفاذ مسائل الحلّ النهائي، وليس العكس. إنما من ميزات هذه الفكرة- في اعتبار الأميركيين- أنها تسمحُ بدمج السوريين واللبنانيين في التفاوُض، وعدم تأجيل الحلّ معهم إلى ما بعد الحلّ الفلسطيني. كما أنّ من ميزاتها إمكان دخول العرب جميعاً فيها، وبالتالي مطالبتهم بإنفاذ المبادرة العربية للسلام في مقابل الانسحاب الإسرائيلي من أراضيهم المحتلّة. وبقدْر ما يستأخرُ الأميركيون ذهابَ الفلسطينيين (والعرب) إلى مجلس الأمن الآن؛ فإنهم يُسرِّعون الإعلان عن الخطة قبل القمة العربية الاقتصادية في 17/1/2011. إذ إنْ حصلت الموافقةُ المبدئيةُ فقد تدعمُ القمةُ هذه الخطة أو تلك الجهود، بدلاً من الإعلان في القمة عن أزمة في العلاقات العربية الأميركية، ومُناداة مجلس الأمن الذي يواجهُ العربَ فيه فيتو أميركي.

وإذا كانت هذه هي معالم الخطة، وهذه هي عقباتُها quot;الداخليةquot; إذا صحَّ التعبير؛ فإنّ العقبات quot;الخارجيةquot; أمران اثنان: قدرة الحكومة الإسرائيلية على السير في الخطة، وهي قدرةٌ متعثِّرةٌ بسبب وجود ليبرمان والمستوطنين، والذين لن يوافقوا على شيء. وبذلك يكون على نتنياهو تعديل حكومته أو تشكيل حكومة جديدة بدون ممثِّلي المستوطنين. وهذا الأمر بدوره صعب، ويتطلب quot;الضماناتquot; الأميركية الكثيرة التي كانت الولايات المتحدةُ قد عرضتها في مقابل وقف الاستيطان لثلاثة أشهر. والعقبة quot;الخارجيةquot; الأُخرى هي الموقف الإيراني. فالمعروف أنّ التفاوض بين إيران، وأعضاء 5+1 سوف يعود في الأسبوع الأخير من هذا الشهر. ويراهنُ الغربيون على التقدم مع إيران في الجلسة الثانية من هذه المفاوضات. وقد تكون إعادة السفير إلى سوريا لاختبار ردّة فعل إيران من جهةٍ ثانية. فإذا سارت الأمور كما هو مأمول؛ فستزول عقبة من أمام التسوية. وإنْ لم تَسِرْ بحسب المأْمول فقد يعود التوتُّر مع quot;حزب اللهquot;؛ لكن الأرجح أنْ تكون غزّةُ وليس quot;حزب اللهquot; في عين العاصفة. وفي الحالتين فالحلَّ سيتأخَّر عندها حتى لو اكتملت عناصرُهُ الداخلية التي سبق ذكْرُها.

لقد حفلت الشهور الأخيرةُ بعدة انسداداتٍ أعادت أجواء التوتُّر والتصعيد. إذ خسر أوباما وحزبه في الانتخابات النصفية، واستمرت التجاذبات في لبنان، وازدادت هجمات quot;القاعدةquot; في اليمن والعراق، واقترب موعد الاستفتاء على تقرير المصير لجنوب السودان. ومع أنّ الحكومة العراقية تشكّلت بعد مماحكاتٍ لثمانية أشهر؛ فإن البارزاني أكّد على حقّ تقرير المصير للأكراد، رغم أنّ رئيس جمهورية العراق ووزير خارجيته كرديان! بيد أنّ الأميركيين ظلُّوا على ثقةٍ أنّ تلك التطورات أو أكثرها فيها نقاطٌ إيجابيةٌ لصالحهم، ومنها أنّ العرب لا يملكون خياراً آخر غير الدخول في التسوية، حتّى لو كانت منقوصةً فضلاً عن أن تكونَ عادلة!