قاسم حسين

من حقّ العرب أن يودّعوا العام المنصرم كمن تخلّص من كابوسٍ ثقيل، وإن لم يكن من ضمانٍ بأن يكون العام الجديد أقل قسوةً وثقلاً وثقالة ظل.

في ليلة رأس السنة، كانت الفضائيات تنقل مشاهد الفرح والبهجة في مختلف بقاع الأرض، إلا أرضنا العربية، التي تعيش خارج مسار التاريخ، وتوشك أن تعيش خارج الجغرافيا والمستقبل.

في جمهوريةٍ عربيةٍ كبيرة، استطاع الحزب الحاكم منذ أربعين سنة، من وضع يده بالكامل على كلّ مقاعد البرلمان وإخراج المعارضة نهائياً، في مخالفةٍ صريحةٍ لقواعد اللعبة الديمقراطية التي ارتضاها لنفسه وفصّلها على مقاسه. وبدل احترام التعددية أصبح مجلس الشعب الجديد مجلس الحزب الحاكم! كل شيء قد تجمّد في هذا البلد الذي أصبح كالبركة الراكدة.

في جمهوريةٍ عربيةٍ أخرى، يحرق شابٌ جامعيٌ نفسه؛ لأن السلطات لاحقته في رزقه ومنعته من بيع الخضراوات على عربةٍ بالشارع، بعد أن حرمته من حقّه في الشغل! وفيما تبلغ قوة العمل في هذا البلد أربعة ملايين يعمل نصفهم في الخارج، فإن النظام عجز عن توفير شغلٍ للنصف الآخر! وعندما ينزل الجمهور في الشارع في عدة مدنٍ، احتجاجاً على سوء الأوضاع وتعاطفاً مع الضحية، يصرخ النظام بأن هؤلاء خونة ومدسوسون وعملاء للخارج.

في جمهوريةٍ عربيةٍ ثالثة، وفي الوقت الذي شاهد فيه الملايين تسليم الرئيس البرازيلي دي سيلفا مقعد الرئيس لخليفته ديلما روسيف، بعد دورتين انتخابيتين مدتهما 8 سنوات، يعلن رئيسها الذي يحكم منذ 33 عاماً، أنه سيبقى في منصبه إلى الأبد! ويوعز إلى نواب حزبه (الحاكم) بإجراء تعديلات دستورية تتيح له البقاء المؤبّد في المنصب إلى يوم يبعثون! فذلك البلد الذي كان مهداً لأقدم الحضارات، وحكمته امرأةٌ قبل خمسة آلاف عام، أصبحت مضرب المثل في الحكمة والسياسة والكياسة، يصوت نواب الحزب الحاكم على قرارٍ يقضي بعقم النساء منذ ثلاثة عقود، عن ولادة رجلٍ آخر يصلح للرئاسة!

دي سيلفا لم يفكّر في تغيير الدستور ليبقى يوماً واحداً إضافياً في منصبه، بينما الحاكم العربي مستعدٌ ليغيّر كلّ بنود الدستور، فهو لم يرتوِ بعدُ، من الحكم السلطاني الذي استمر 33 عاماً، خاض خلالها 11 حرباً ضد الأحزاب والقبائل الأخرى في بلاده!

في جمهوريةٍ رابعة، يحكمها رئيسٌ منذ 22 عاماً، تسلمها دولةً موحدةً، وربما لن يسلّمها إلا وهي أربعة أقسام، هذا إذا قبِل بأن يسلّمها إلى أحدٍ مادام حياً يُرزق، وفي جسده عِرقٌ ينبض! مولانا يفكّر اليوم جدياً في تطبيق الشريعة، طلباً لمرضاة الله سبحانه وتعالى! ودعا أمس إلى حكومةٍ تضم بقية الأحزاب بعد استفراد حزبه بالسلطة لأكثر من عقدين!

في أصغر وأجمل الجمهوريات وأكثرها انفتاحاً وثقافةً وديمقراطية، وأمام استحقاق وطني كبير، يقف الشعب منقسماً على نفسه فيما يخص كيفية حماية الاستقلال والسيادة الوطنية، بجوار عدوٍ متربّصٍ مدجج بالسلاح النووي. وفي لحظة تخبطٍ تاريخية، توشك أن تُمرّر مؤامرة تطويق المقاومة التي حقّقت خلال ستة أعوام، انتصارين كبيرين على laquo;إسرائيلraquo;، التي حققت خمسة انتصارات ساحقة ضد العرب خلال خمسة عقود!

إنه عامٌ عربي ثقيلٌ، شهد إقصاء عددٍ من المعارضات، وضربِ بعض النواب بالهراوات، والتهديد بعودة قوانين laquo;أمن الدولةraquo; لإرهاب الجمعيات والأحزاب السياسية والتيارات. كابوسٌ ثقيل... يُذكر ولا يُعاد!