داود الشريان


حرص رئيس حكومة جنوب السودان سلفاكير على التعامل مع رئيس السودان الموحد laquo;سابقاًraquo;، عمر البشير، كرئيس دولة صديقة أو شقيقة. بسط له سجادة حمراء، وألبسه عباءة ترمز الى الجنوب، قال له: أنت في الجنوب، ولست في السودان. صنع له احتفالاً وداعياً اختلط فيه توديع الجنوب باستقباله، والوحدة بالانفصال. وزاد من غموض والتباس، وإن شئت ارتباك، الموقف، تصرف الحشد الكبير من الناس المبتهجين بمقدم البشير. بعضهم رفع لافتات تعبّر عن السخط والرفضK وهو يبتسم: laquo;نحن سعداء باستقبالك من جديد للاحتفال باستقلال جنوب السودانraquo;، و laquo;نرحب بكم في الدولة الـ193 في العالمraquo;. لم تتحدث اللافتات عن فخامة الرئيس، وخلَت من الشعارات التي يرددها البشير وهو يهز عصاه في وجوه مواطنيه. فالضيف، في نظر الجنوبيين، يعيش في منطقة رمادية. الجنوبيون لا يعرفون بعد اسم جارتهم، دولة السودان الشمالي المحتملة. هل ستبقى جمهورية السودان أم ستصبح جمهورية السودان العربية الإسلامية؟ أم ستخترع اسماً طويلاً، آخر، يسد نقص مساحتها؟

كان البشير، في تلك اللحظات، يثير الحنق والشفقة في آن. كان مثل مأذون أنكحة وهو يمشي بالعباءة الجنوبية، ويتوكأ على عصا. لكنه جاء لتوقيع صك طلاق، وهو طلاق غريب، اختلط فيه أمل كاذب برفض سعيد وقلق مستتر. لم يكن البشير، وهو في المطار، يعلم لماذا هو في جوبا، ولا ماذا يريد. كان تواقاً لصنع لحظة تاريخية، لكنه أخطأ التوقيت. أخطأ المكان. جاء وهو يحلم بعودة الزمن الى الوراء. جاء للتعبير عن فرحة مزيفة، وصرخة تقطع حبالها. كان منظره، رغم الزهو المزيف، يستدعي البكاء.

رحلة البشير إلى جوبا كانت خارج السياسة والتاريخ، وهو حاول بكل قدرته على الاستعراض أن يثير التاريخ، لكن التاريخ رحل، فضلاً عن أن التاريخ يكره الواقفين في منتصف الطريق. لم يكن البشير يستطيع تحديد الاتجاهات ولا المواقع، وخانته الكلمات. أدرك أنه يمارس العبث. وحين يُكتب التاريخ سيكتب المؤرخون عن هذه الرحلة العجيبة، لكنهم سيعجزون عن تفسيرها.