حسن بن سالم

اعتاد الكثير من العلماء والخطباء والدعاة الدعاء وبشكل دؤوب على منبر الجمعة، وفي ختام الدروس والمحاضرات الدينية بالدعاء المشهور: laquo;اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين في مشارق الأرض ومغاربها يا رب العالمينraquo;، وغير ذلك من الأدعية المتعددة التي تدعو بالهلاك والقتل والثبور والإذلال لعموم الكفر وأهله، وذلك لمجرد كونهم يؤمنون بدين غير دين الإسلام، سواء كانوا ممن يؤمنون بدين من الأديان السماوية كاليهودية أو المسيحية أو غيرهما من الأديان، ولكن مثل هذه الأدعية أصبحت في السنوات الأخيرة تشكل إساءة واضحة للإسلام والمسلمين، وذلك لأن هذه الأدعية على عموم الكفار التي تشمل المحاربين منهم أو غيرهم ممن لم يصدر منهم عداء أو إساءة تجاه المسلمين تتنافى مع قيم التسامح والتعايش العالمي والحوار بين الأديان، إذ باتت تُظهر الإسلام وأهله في صورة العاجز عن القدرة على التكيف والقبول والاعتراف بالآخر المختلف في دينه ومعتقداته، وهنا تبرز في مثل هذه الظروف والأحوال الحديث عن الحلول الطارئة والمعالجة الآنية والوقتية لكثير من إشكالياتنا في الموقف من غير المسلمين، ومن ذلك ما دعا إليه أخيراً عضو مجلس الهيئة السعودية لحقوق الإنسان الشيخ الدكتور عبدالعزيز الفوزان، وذلك على خلفية أحداث تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية، التي راح ضحيتها ما لا يقل عن 20 شخصاً، وإصابة نحو 80 جريحاً، بأن الدعاء على الكفار عمومًا اعتداء لا يجوز، ضاربًا مثلًا بدعاء يكثر ترديده عند أئمة المساجد وهو laquo;اللّهم أحصهم عدداً واقتلهم بدداًraquo;، مبينًا أنه مخالف في الدعاء وفيه إثم وظلم، وأن من يسمع هذا الدعاء يكرهك ويكره دينك، متسائلاً: لماذا لا ندعو لهم بقول: laquo;اللهم اهدهمraquo;.

وهذه المعالجة الآنية والطارئة من الشيخ الفوزان أو غيره إنما تكون حينما تقع الواقعة قد يعتبرها هو وغيره مثالاً سامياً على التسامح والتعايش مع الآخر، ولكن مثل هذه الدعوة لا يمكن أن تؤتي أكلها وثمارها، أو يكون لها مردود وتأثير حقيقي في توجيه الخطاب الديني ما دامت تتسم بالظرفية، وحالما تنكشف الغمة فإن كل شيء يعود إلى إدراجه الطبيعية، ولذلك فمن غير المستغرب أن ينشر الموقع الذي يشرف عليه الشيخ الدكتور عبدالعزيز الفوزان المعروف باسم laquo;رسالة الإسلامraquo; دراسة بعنوان laquo;حكم لعن الكفار عموماًraquo;، خلصت إلى جواز لعن الكفار إجمالاً، سواء علق اللعن بوصف الكفر، أو بصنف من أصنافهم كاليهود والنصارى ونحو ذلك، وأن بعض العلماء قد حكى الإجماع على جواز ذلك!

والمشكل أيضاً أن المنطلق في منع وتحريم الدعاء على الكفار، على وجه العموم، بالدمار والهلاك ليس من مبدأ تسامحي وتعايشي وقبول مع الآخر، وباعتباره ظلماً وإساءة إليه، وإنما من مبدأ كونه مخالفاً لسنة الله في أرضه في أنه لا يزال منهم أناس موجودون في الأرض إلى قيام الساعة، وأن حكمة الله ومشيئته اقتضت بقاء النوع البشري حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى، فردود الأفعال وتجميل الصورة الوقتي، وفقاً للظروف والطوارئ لا يمكن أن تصنع منهجاً وثقافة ما لم تنبع من إيمان صادق وقناعة تامة بضرورة التغيير في خطابنا مع الآخر ، وأما القضية الأخرى، وهي جعل الخلاف في مسألة الدعاء على الكفار، أو غير المسلمين عموماً، دائرة بين حالتين لا تقبل التثليث، وهي إما أن ندعو عليهم بالقتل والهلاك، أو ندعو لهم بالهداية من الكفر والضلال والدخول في الإسلام، فإما هذه أو هذه، أما أن نقبل بهم وأن نتعامل مع الآخرين بغض النظر عن أديانهم ومعتقداتهم، بحيث لا تكون العلاقة قائمة على أساس العداء والكره، أو الاستهداء والدعوة للتخلي، أو التراجع عن معتقداته وأفكاره التي يؤمن بها، فهذه الصورة ليس لها حظ في واقعنا، فالعلاقة بالآخر، سواء القريب الذي يعيش بيننا، أو البعيد، لن تكون على مبلغ من التقدم والإيجابية إلا أن قامت على أساس من الاحترام والاعتراف المتبادل، التي بدورها تعزز مبادئ الكرامة والحرية الإنسانية، وأما إن كانت العلاقة قائمة على رفض الآخر، بتفاوت صورها فإن ذلك يعني الدعوة إلى تقويض الكرامة والقيم والحرية الإنسانية. لذلك أصبح من أهم التحديات الكبرى التي باتت تؤرق العالم بأسره في هذا القرن هي إمكان التعايش بين الأديان والشعوب، وقبول التنوع والتعددية والاختلاف والاعتراف المتبادل بين الأعراق والانتماءات الدينية كافة، وأساس بناء هذا التعايش وتحقيقه في المجتمع إنما ينطلق من خلال التعليم، بحيث يتم إطلاق سراح الطفل منذ النشأة من الحدود والمحترزات، وبناء وعيه وتوجيهه إلى تعددية الثقافات والمجتمعات وتنوعها، وغرس شعور الاحترام والاعتراف بالغير، بحيث يكون قادراً على الخروج إلى العالم وهو متجرد من الانحياز أو التحامل، وهو ما يعني أننا بحاجة ماسة إلى الاستثمار بصورة مكثفة في أطفالنا من أجل خلق فضاء متسامح ومتنوع، وهذا التعايش المنشود لا يمكن أن يأتي أو يسقط من الفضاء أو السماء، بل هو سلوك مكتسب وعملية مستمرة ودؤوبة، انطلاقاً من التعليم في المدرسة، ومروراً بمؤسسات المجتمع كافة.