أشرف إحسان فقيه

الكلام الذي أورده فضيلة الشيخ الدكتور (عبدالعزيز بن فوزان الفوزان)، بخصوص تجاوز بعض أئمة المساجد في الدعاء على غير المسلمين، هو كلام في غاية الأهمية والجمال ويجب أن نحييّه عليه.
ظهر الدكتور الفوزان على التلفاز قبل أيام وكرر ما قاله سابقاً بنادي حائل الأدبي حول تألّي البعض على الله في الدعاء والأخذ بأدعية الأنبياء المؤيَدين بالوحي: (ربنا اطمس على أموالهم واشدد عل قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم) و (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديَّاراً). وقال حفظه الله إن الأولى هو الدعاء لغير المسلمين بالهداية عوضاً عن شملهم جميعاً بأدعية الويل والمحق وكأنهم ndash;كقوم نوح- لا أمل فيهم.
وكلام الشيخ الدكتور صحيح في كل تفاصيله. فنحن نسمع أنواعاً من الأدعية الشاملة الجامعة على كل من يخالفنا في الملة لمجرد أنه كذلك.. ومهما كان جنسه أو عمره. مثل: quot;اللهم عليك بالنصارى ومن ناصرهم، وباليهود ومن هاودهمquot;.. ثم تأتي الديباجة الدموية: quot;اللهم رمّل نساءهم ويتم أطفالهم وزلزل الأرض من تحتهمquot;. ولا تقتصر هذه الأدعية على أئمة المساجد العاطفيين فقط بل وتمثل ثقافة شعبية رائجة بين الكثير من العوام أيضاً. وهذه حال مرعبة بل ولا يبررها واقع المسلمين المزري كما سأبيّن قريباً.
أذكرُ قبل رمضانين أو ثلاثة أني صليت التراويح مع مجموعة من الطلبة بمصلى في حرم جامعة كندية. كان إمامنا شاباً عربياً وكانت ليلة ختم القرآن. وفي ذروة دعاء الختم والقنوت كان من مما دعا به إمامنا: quot;اللهم إن أهل هذه البلد قد آوونا واستضافونا وأحسنوا لنا. اللهم فاجزهم عن ذلك خير الجزاء. اللهم ردهم إليك رداً جميلاً. اللهم واهدِ أهل كنداquot;.
والحقيقة أن تلك الدعوات كانت بالنسبة لنا مربكة ومحيرة. وأنا شخصياً لم أعتد هذا النسق من الدعاء. ولم أؤمِّن من قبل على أي دعوة مماثلة طوال حياتي. إلا أن quot;آمينquot; قد بدت ليلتها صادقة خالصة ملائمة لجو السلام والرحمة الذي يُصرّ بعضنا على الضنّ به عن باقي ملكوت الله.
وفي المقابل، حدثني من أثق به عن زيارة قام بها الدكتور (خالص جلبي) لطلاب جامعة كندية أخرى مشهورة. وكان اليوم جمعة. فصعد المنبر وخطب فيهم قائلاً إنهم يجب أن يشكروا للكنديين ويحسنوا لهم لأنهم قد أحسنوا وفادتهم قبلاً، وذكّرهم بأن بعضهم ndash;وهم عرب مسلمون- يعبدون الله وحده في كندا آمنين مطمئنين أكثر مما كانوا في أوطانهم الأم. فما كان من الشبان المتحمسين إلا أن قطعوا الخطبة وأنزلوا الدكتور (جلبي) من على المنبر، ثم أتوا بأحدهم ليخطب فيهم بما يحبون سماعه!
بالعودة لكلام الدكتور (عبدالعزيز الفوزان) حفظه الله، فإن الدعاء على غير المسلمين في المساجد قد يكون سببه اندفاع عاطفة الإمام أو الخطيب حين يستحضر مظاهر الذل والظلم الذي يتعرض له المسلمون في شتى الأنحاء. ولا شك بأن المسلمين يعانون من أزمات مذهلة فهم الأفقر والأقل تعليماً والأضعف ركناً بين الناس. إلا أن هذه الحالة لم تجلبها عليهم مخططات الصهاينة والصليبيين حصراً. فالمتأمل في التاريخ والحقائق سيجد أن الظلم الذي يوقعه المسلمون بأنفسهم هو أشد وخامة وأفدح بمراحل.
إن بعضهم قد غلبت على فكره نظرية المؤامرة وتقسيم العالم لفسطاطين.. فكل شر ينالنا هو من تدبير quot;الكفّارquot;، أو محاولة للنيل من الإسلام. والحقيقة أن قوى الظلم والاستكبار لا تفرق بين مسلم وكاثوليكي وملحد، وما شعوب أميركا اللاتينية ولا يهود بولندا الذين عانوا ويلات البطش مثلنا عنا ببعيد، بل تسعى القوى العظمى لتحقيق مكاسبها الاستراتيجية والسيادية مهما كانت ديانة الضحايا. وقد شاء الله أن نكون مسلمين وأن تكون أوطاننا في عين إعصار المصالح الاقتصادية والسياسية!
كتب الباحث الأميركي (جراهام فولر) قبل ثلاث سنوات مقالة شهيرة بعنوان (عالم بلا إسلام)، استعرض فيها حال الشعوب التي هي مسلمة اليوم في عالم تخيلي لا يعرف الإسلام. وخلص إلى أننا كنا سننتهي غالباً لنفس النتائج: أي أننا مستهدفون قَدَراً بحكم الظروف الاستراتيجية وموازين القوى. ولعلنا نتطرق لتلك المقالة في الأسبوع القادم بحول الله.