سمير عطاالله


في جميع المشاهد الخارجة من جوبا، علامتان: الأولى، وجوه فرحة وأناس يصفقون، والثانية أن لا شوارع في جوبا ولا مبان ولا طرقات ولا أي مظهر آخر من مظاهر المدن. ولعل هذا يشرح أسباب الانفصال وأسباب كل هذا الابتهاج به. وتلك كانت صورة أربيل قبل سنوات، حيث الدولة عاقبت رغبة الانفصال بإهمال الشمال أو ضربه أو تشريد أهله.
إذن، الانفصال ليس مسألة دينية أو عرقية؛ ها هي بلجيكا، عاصمة الوحدة الأوروبية، تتجه إلى التشقق، وها هي سويسرا، اعتادت العيش بثلاث لغات وبضعة كانتونات، وها هو الأميركي الأسمر يصبح مواطنا مساويا بعدما ظل لقرون خارج الحدود الإنسانية للمواطنة. طبعا، كنا نتمنى لو بقي الجنوب في السودان، وظلت كردستان حقا في العراق، ولكن حيث لا مساواة اجتماعية وإنسانية، يجب أن نتوقع الانفصال عندما تسنح الفرصة. يظهر الجنوبيون أمام تلفزيونات العالم، وكأنهم قد نالوا الحرية وليس الاستقلال، ويتصرفون وكأنهم لا يتركون خلفهم شيئا أو أحدا: لا علاقات ولا ذكريات ولا مصالح ولا ممتلكات، يعودون إليها في الشمال.
وربما كان هذا الفصل الأكثر إيلاما في هذا المشهد العربي المحزن. على الأقل حصلت الفرقة برقي متبادل بعد ستة عقود من الحروب. وجاء موظفو أوراق الاقتراع بدل الجنجويد. المؤسف أن تجربة الوحدة في السودان عرفت شكلا واحدا؛ هو العنف، ولو قامت تجارب مساواة أخرى لرأينا الجنوبيين يبكون الآن بدل كل هذا الابتهاج العلني.. ربما.. ولهاجر العربي أمواجا وأفواجا من مئات الألوف، بحثا عن شيء واحد، هو الفرص الاجتماعية. ولو كان هؤلاء فئة دينية أو عرقية لشكلوا انفصالا أشد من انفصال الجنوب. لقد أهملت الأنظمة المركزية العربية الأرياف والمحافظات عقودا طويلة، وأهملت مشاريع وخطط الإنتاج. ويقول الأستاذ محمود حداد (جامعة البلمند) إن أعداد وموازنات المخابرات في العالم العربي فاقت للمرة الأولى في تاريخ الأمم، موازنات الجيوش والقوى المسلحة.
الأمن الحقيقي هو في رخاء الشعوب.. ها هم المتظاهرون من أجل الكفاية يخترقون جدارين عاليين، في تونس والجزائر. وبدل أن تشرف الأنظمة على الانفصالات laquo;الهادئةraquo; لبلدانها، لعلها تعمل في سبيل الوحدات الهادئة والمجتمعات الهادئة ومجتمعات الفرص