داود البصري

وأخيرا حط رحال أمين عام جامعة الدول العربية في كردستان العراق بعد غيبة طويلة وقسرية عن ذلك الجزء الحيوي والمهم من الأرض العراقية التي يتناوشها اليوم أمراء الطوائف وزعماء العصابات ورجال مافيا السلطة الجدد والقطط الطائفية والميليشاوية السمان التي ازدهر سوقها وارتفعت أسهمها في ظل حالة التشتت القيادي الشامل والفوضى الأمنية المريعة وهزالة القيادات السياسية الطارئة على العراق والتي لم تستطع أن تسد الفراغ الكبير الذي خلفته الدكتاتورية المنقرضة التي نجحت في تهشيم وتدمير كل القوى الوطنية العراقية الحقيقية وتجهيل الشعب ودفعه نحومتاهات الخيارات الطائفية والعنصرية والغيبية التي تهدد اليوم بتحويل العراق لمستوطنة سلطوية فاشلة , وقد يبدو وجود السيد عمرو موسى في كردستان التي تعيش وضعا سياسيا خاصا غريبا ومفاجئا , ولكنه ليس كذلك في ظل الترتيبات الإقليمية والدولية السائدة ومع مناخ التقسيم والفصل وتجزئة الأوطان الذي يهيمن على الوضع في عموم العالم العربي من مشرقه وحتى مغربه , عمرو موسى كان في المؤتمر الصحافي الذي جمعه مع رئيس إقليم كردستان أشبه باليتيم على مأدبة اللئيم وهي أخف صفة يمكن إسباغها على منظر الأمين العام وأسئلة الصحافيين الأكراد تتقاطر عليه متهمة الجامعة العربية بالإنحياز للنظام العراقي السابق? متناسين أن تلك المؤسسة السياسية العربية هي جامعة للأنظمة الحاكمة أولا وليس حزبا أو تجمعا نضاليا وجبهويا فهي مطالبة بالتعامل مع الأنظمة الرسمية العربية وهي مؤسسة إقليمية من أقدم المؤسسات العاملة والمستمرة والتي سبق وجودها حتى الأمم المتحدة في العام 1945 , والطريف أن الصحافيين الأكراد وهم يوبخون باللغة الكردية سياسة الجامعة ومواقف أمينها العام السابقة قد تناسوا أن القيادة الكردية الحالية سواء في أربيل أوفي السليمانية كانت من أكثر القيادات تفاعلا وتعاملا مع نظام صدام حسين المنقرض , فالرئيس العراقي جلال طالباني وهو زعيم جمهورية السليمانية الكردية كان من أوائل المتعاملين مع نظام صدام حسين حينما إنقلب على المعارضة العراقية أواخر العام 1983 وذهب لبغداد ليتفاهم مع النظام في خطوة لم تكتمل, وكلا القائدين الكرديين برزاني وطالباني ذهبا لمعانقة وتقبيل ومصافحة صدام حسين بعد إنتفاضة عام 1991 ودماء الثوار من العرب وألأكراد لم تجف بعد في الشوارع العراقية كما أن الكلاب كانت وقتها لم تزل مشغولة بنهش جثث الشهداء في جنوب العراق خصوصا, ومع ذلك فلم يلق زعماء الأكراد بالا لذلك وأستمروا في مباحثاتهم الحميمية مع النظام البائد حتى قرر النظام الدولي الجديد بعد الهزيمة في الكويت إقامة منطقة حظر الطيران وتقسيم العراق طوليا وعرضيا وقيام نظام صدام بسحب الإدارة العراقية من كردستان , كما أن الصحافيين الأكراد وهم يوبخون الأمين العام عمرو موسى تناسوا أن حرس صدام حسين الجمهوري الدموي ماغيره هومن إستعانت به قيادة جمهورية أربيل المناضلة لإستعادتها من سيطرة رئيس السليمانية جلال طالباني في معاركهم الدموية والمافيوزية للسيطرة على مقدرات الشعب الكردي وثرواته وإن القيادة الكردية الحالية مسؤولة مسؤولية مباشرة وصميمية عن مصرع المئات من المعارضين العراقيين على أيدي المخابرات العراقية في 31 أغسطس 1996 في تلك الفضيحة المعروفة التي قام بها البعثيون بإعادة البرزانيين للسلطة في أربيل, ومعروف وموثق كذلك أطنان المديح والإشادة التي تلقاها صدام من مسعود بارزاني ما غيره في علاقات إستمرت حميمية في جوانبها التجارية بين الطرفين حتى قيام القوات الأميركية بغزو العراق واسقاط النظام وقيام أتباع العصابات الكردية أيضا بالسيطرة على بغداد وعلى شكل النظام البديل أيضا بحيث أصبحت الأحزاب الكردية هي التي تقرر مصير العراق وشكل حكومته بسبب ضعف أهل الأحزاب الشيعية وسفالة وتخلف وإجرام العصابات التكفيرية الذين روعوا الشارع العراقي واضعفوا الشعب العراقي موفرين الفرصة التاريخية لأهل العصابات والمرتبطين بالأجندات الخارجية المعلومة لتنفيذ مخططاتهم في تقسيم العراق وإنهائه بالكامل وإخراجه من النظام الإقليمي , لقد كان منظر عمروموسى بائسا ومرتبكا وهو يحاول الرد على هجمات الصحافيين الأكراد ويكتفي بعبارة ( ماتخدوش في بالكو... وحاولوا نسيان الماضي )! فيما كان وزير الخارجية الكردي وخال رئيس كردستان هوشيار زيباري يقوم بمهمة المترجم, وقد إرتبك عمرو موسى في ردوده التي جاءت غير مفهومة وذكر الحكومة التركية بدلا من الحكومة الكردية, حينما تم سؤاله عن أسباب غياب قنصلية لجامعة الدول العربية في أربيل, , كما أن مسعود بارزاني تحدث أيضا عن حق تقرير المصير وطبعا يسعدنا كثيرا أن تستقل كردستان وتنفصل بالكامل عن العراق وتقطع حصة 17 في المئة من الموازنة العراقية وينسحب الوزراء الأكراد وأولهم الرئيس طالباني وبقية الربع من بغداد وساعتها صدقوني سيعم الهدوء العراق وتستقر الأحوال, ولكنهم لن يفعلوها ورب الكعبة أبدا ? لأنهم سيفقدون منجم الذهب ومصالحهم الأسطورية ولأنهم يعلمون بأن الذئب التركي الأغبر متربص بهم وكذلك آيات الله في طهران يعدون لهم العدة ! ومع ذلك ما زال إبتزاز الزعامات الحزبية الكردية مستمرا وفاعلا ومازالت سطوة أهل تلكم الأحزاب مهيمنة على تشكيلة السلطة العراقية الرثة , تصوروا إن رئيس إدارة الخليج العربي في وزارة الخارجية العراقية كردية عاشت جل حياتها في القاهرة ومازال زوجها هناك لم يعد معها للمنطقة الخضراء ? ترى هل انعدمت الكفاءات العراقية العربية المتخصصة لتتولى مسؤولية إدارة شؤون الخليج العربي بدلا من موظفة لا تعرف شيئا عن الخليج العربي ? اليس في ذلك قمة المهزلة?
لقد كان منظر عمروموسى في كردستان باهتا وكئيبا وليس له محل من الإعراب.
مش كده ولا إيه يا باشا?!