راجح الخوري


لم يحدد الرئيس سعد الحريري، في الاساس، ما هي العناصر التي تشكل جوهر quot;الاتفاق المنجزquot; الذي تم التوصل اليه برعاية سعودية ndash; سورية، ولم ينفذه الفريق الآخر الذي يعرف أولا ما هو المطلوب منه، وثانيا ان عليه هو أن يبدأ بالتنفيذ.
ومنذ مغادرة الحريري بيروت يوم السبت الماضي هبت عاصفة من التأويل والتبصير في أوساط قوى 8 آذار، هدفت الى تحقيق أمرين:
□ أولا: محاولة الايحاء أن هذا quot;الاتفاق المنجزquot; يتناول موضوع شهود الزور، بما يعني ضمنا الانخراط في التوصل الى اتفاق شامل يسبق صدور القرار الاتهامي عن المحكمة الدولية، الذي توحي كل المؤشرات انه صار قريبا.
□ثانياً: محاولة اضفاء صفة quot;التسويةquot; على هذا الاتفاق، وهو أمر مبالغ فيه ومصطنع جدا، لأن كلمة تسوية تعني ضمنا ايجاد المخرج الذي طالبت به قوى المعارضة، أي ارجاء القرار الاتهامي أولا وطي صفحة المحكمة الدولية ثانيا.
لم تتوقف الامور عند هذا الحد، بل حفلت الصحف والتصريحات بسيناريوات من صنع المخيلات، أو بالاحرى الامنيات التي تريد أن توحي أن هناك ما يشبه المقايضة، أي تجاوز المحكمة وقرارها الاتهامي في مقابل بقاء الحريري في رأس السلطة التنفيذية وتسهيل عمل الحكومة والتخلي عن نظرية quot;الديموقراطية التوافقيةquot; والثلث المعطل، التي شكلت وصفة ممتازة لقتل عمل الحكومة وتسفيه المعنى الحقيقي لـquot;حكومة الوحدة الوطنيةquot;.
لكن شتان بين ما قصده الحريري في الحديث عن quot;اتفاق منجزquot; وما يصوره أهل 8 آذار الآن على أنه تسوية تمحو المحكمة الدولية وكأنها لم تكن!

❐ ❐ ❐
مع ذهاب رئيس الحكومة الى الولايات المتحدة الاميركية، حيث أجرى سلسلة لقاءات شملت بالتتابع الوزيرة هيلاري كلينتون والامين العام للأمم المتحدة بان كي ndash; مون والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، وكان الاخير قد أنهى للتو اجتماعه مع الرئيس باراك أوباما الذي ركز بشكل خاص على الوضع في لبنان والمحكمة الدولية، وكذلك اجتماعه مع خادم الحرمين الشريفين، هبت في بيروت وتحديدا في أوساط الثامن من آذار رياح الشكوك والظنون والاتهامات المعهودة، التي بلغت حد القول إن أوباما وساركوزي يستعيدان دور جورج بوش وجاك شيراك في الكيد ضد سوريا وضد المبادرة السعودية ndash; السورية، التي يقال إنها اجتازت شوطا كبيرا في اتجاه التوافق على مواجهة ما قد يصدر في القرار الاتهامي ومن ثم في المحكمة الدولية.
وليس سراً هنا أن عامين من المحاولات وبكل أساليب التهويل والتخويف الداخلية لبنانياً، وبكل محاولات التدخل الخارجية الدولية، لم تؤثر عمليا في زحزحة المحكمة قيد أنملة عن مسارها المرسوم بموجب تكليف مجلس الامن وتحت الفصل السابع.
طبعا تصبح القصة مضحكة بالنسبة الى سعد الحريري شخصيا عندما ترتفع أصوات في المعارضة تصوّر الامور على شكل بازار أو ما نسميه عادة quot;حديد بقضاميquot;، كالقول إن بقاء الحريري في رئاسة الحكومة وتسهيل دوره كرئيس للسلطة التنفيذية إنما هما لقاء تخليه عن المحكمة. مع ان ليس في وسع الحريري أو غيره التخلي عنها، على الاقل، لأنها ترتبط بالحق العام الدولي وعبر مجلس الامن وليس بالحق الشخصي المتصل بآل الحريري أو غيرهم من الذين استشهد أبناؤهم في لبنان.
وفي الأساس لم تشكل المحكمة الدولية من منطلقات وحوافز الحق الشخصي المتصل باغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، بل من اقتناع الشرعية الدولية بأنه آن الأوان لوضع حد لمسلسل عمليات الاغتيال السياسي التي عرفها لبنان في خلال ثلاثة عقود تقريبا، وأن هذه المحكمة غير المسبوقة لم تشكَّل لقطع دابر الجريمة السياسية في لبنان وحده، بل تشكل سابقة قانونية تحتذى في أي دولة اخرى تنشط فيها الجرائم السياسية وتنجو من العقاب.
على أساس كل هذا، ليس في وسع سعد الحريري اذا أراد، وهو لن يريد، ولا في وسع غيره الانخراط في ما يسمى تسوية يكون هدفها إسقاط المحكمة الدولية.