سعيد الحمد

تفجيرات الكنائس والجوامع ودورالعبادة تمثل تحولاً خطيراً في ظاهرة العنف المعمد بالدماء والاشلاء فباسم المقدس يتفجر الفعل وردات الفعل وفي المساحة بينهما تتدين كل الخطابات والشعارات وتغوص حفراً في التراث لعله يسعفها بمواقف وحكايات واقوال وافعال تؤجل حتى حين laquo;الحرب المقدسةraquo; الوشيكة التي اخفقنا واخفق عقلنا العربي المعاصر وفكرنا وثقافتنا اليومية المتداولة في معالجة وفي صدّ مقدماتها الكبيرة وقد أنبأت عن نفسها في اصطفافات وفي احتراب طائفي كان الفرزعنوانه وبدايته التي لم نقرأ فيها العلامات والاشارات على الطريق الذي ستأخذنا اليه في النهاية المحتومة لهكذا بدايات laquo;طائفية عرقية واثنية عصبيةraquo; لم يكن القضاء عليها ممكنا بتديين الخطابات وتديين المعالجات وتديين الشعارات وتديين الافكار والاحزاب والقوى المجتمعية المنوط بها القيام بمهمة القضاء على تلك المقدمات الطائفية العصبوية خارج لغة المواطنة والوطن بما هي دولة مدنية وبما هو مجتمع مدني يحتكم عندما تداهمه مثل هذه الظواهر الخطيرة من طأفنة وعصبوية الى المنجز المدني متمثلاً في فكرة ومشروع الدولة المدنية بوصفها الضامن الحقيقي لاستمرار مكوّنات المجتمع في تنوع اديانها وطوائفها واعراقها واثنياتها في نسيج هذه الدولة المدنية التي لم يستنجد بها احد منا ونحن نعيش مأساة الانزلاق الى هاوية الحروب الدينية والطائفية والعرقية العصبوية التي اخترقتنا لحظة ان تنازلنا عبر المساومات والصفقات عن مرتكزات الدولة المدنية التي قايضناها في لحظة وهم كبير لنخسر المستقبل الذي تهدده laquo;الحرب المقدسةraquo; لنعيد هنا في عالمنا العربي حرب الثلاثين وحرب المئة التي فتكت بأوروبا قبل ان تجد الحل في الدولة المدنية laquo;اختراعاًraquo; أو قل كشفاً بشرياً وانسانياً حضارياً ألجم تاريخها من ان يعود الى احترابه الديني ويدخل العصر بعصرية أو بعقل معاصر لا عقل تراثي ما ضوي يسكّن ويهدّىء المرض الى حين لكنه لا يقضي عليه.
الحروب على خلفية دينية أو كان يسمى في الادبيات الاوروبية بـ laquo;الحروب المقدسةraquo; لم تهدر فيها كل تلك الدماء والارواح الاّ لأنها قامت واعتمدت اساسا على فكرة الدولة الدينية هناك يحركها الاكليروس laquo;رجال الدينraquo; في الكنائس حفاظاً على دولتهم عندما بدؤوها بمذبحة بارتليميو الشهيرة شنتها الثقافة الكاثوليكية آنذاك ضد الثقافة البروتستانتية فكانت بداية حرب الطوائف على خلفية الدين كما تحكم به كنائس القرون الوسطى.
ولأننا لا نقرأ التجارب الا من حيث عصبويتها وتعزيزاً لفكرة العصبوية فاننا لم نقرأ كيف خرجت اوروبا من احترابات تشعلها الدولة الدينية وتغذيها بقوة دفع عظيم من اجل استمرار هيمنة الاكليروس.. وهربنا من سؤال الخروج خشية من الاجابة laquo;الدولة المدنيةraquo;.
هنا نقف لنقول الدولة المدنية ليست نظاما ودساتير وقوانين فحسب ولكنها ثقافة مجتمع وهو مربط الفرس في القضية التي نبحثها اليوم ونحن نقرأ في ظاهرة العنف المقدس يفجر فيه مقدس مقدساً آخر فيما نقف حائرين امام كل جريمة تفجر فيها كنيسة او جامع او حسينية ونستنجد بالتراث ونرفع شعار وحدة الهلال مع الصليب دون ان نرفع شعار الدولة المدنية ونُمَدْين ثقافة جيلنا الجديد الذي انزلقت كل فئة منه وكل طائفة ينتمي لها لتأسيس دولتها الدينية laquo;المقدسةraquo; على انقاض مقدس الاخر وعلى اشلاء مقدس الآخر بما يفتح للاحتراب في فعل وردات فعل لم تتحصن بالثقافة المدنية والمشروع المدني العربي العام الذي اهملنا منذ بداية تأسيس الدولة العربية الحديثة ووقفنا مترددين بلاحسم للخيار بين الدولة المدنية والدولة الدينية لينتصر في النهاية منطق وتفكير وثقافة الدولة الدينية ننشئها باسم الطائفة هنا وباسم الفرقة الناجية هناك ونكرس هكذا ثقافة كان لابد و أن تفرز وتنتج هكذا ظواهر يبلغ فيها العنف ذروته وتبلغ فيها ثقافة العنف اعلان حرب المقدسات بتفجير دور العبادة ليقابلها رد تفجير آخر لدور عبادات اخرى لندخل جحيم الحرب المقدسة التي تكرس سطوة وسلطة الدولة الدينية كما يريد وكما يهدف اصحابها في هذا الجانب او ذاك بعد ان وأدنا الثقافة المدنية بأيدينا ورحنا جميعاً نعمل لإعادة إنتاج الفكرة الثيوقراطية بديلاً للفكرة المدنية.. فجرى ما يجري الآن.