عبدالرحمن الراشد

لا أعتقد أن إسقاط حكومة سعد الحريري مفاجئ، رغم أن كثيرين ظنوا أن اشتراك السعوديين والسوريين في وساطة قادر على حماية الحكومة وحل قضية المحكمة الدولية. كل ما قيل بهذا الشأن كان من قبيل التمنيات. الآن، وبعد انسحاب الجانب السعودي، أي قطار سيستقله اللبنانيون؟ الأرجح سيركبون القطار القطري، وربما الفرنسي أيضا، لأنه لا يوجد متطوعون آخرون سيجربون الطريق نفسه، مدركين عمق الإشكالات وخطورة تبعات الفشل.
ما الذي سيجعل القطار القطري - الفرنسي الخيار الآخر، وربما الأخير؟ الدوحة تملك علاقات جيدة مع الطرف الصعب، أعني صاحب المطالب الصعبة جدا، المتهم الرئيسي المحتمل في قضية الاغتيال، حزب الله، ولأن الدوحة هي التي صممت الاتفاق الأخير ونجحت في تركيب حكومة ببعدين، أغلبية وأقلية. أما الفرنسيون فلأنهم طرف غربي مقبول، ويمكن أن يكونوا شهودا على ما سيتم التعهد به، ووسيطا موازنا. وقد يدخل الأتراك كفريق مواجه للفرنسيين ولا أقول موازنا.
ولو أقنع الوسيط القطري غدا الفريق اللبناني الرافض بالتعامل مع الحقائق الأساسية في قضية المحاكمة والبحث عن حل عملي ربما صار الاختراق المنشود. وسبق للدوحة أن فعلتها في المرة الماضية عندما طرحت فكرة الزواج المرتب سلفا، فقد أقنعت المعارضة بأن تولية سعد الحريري رئاسة الحكومة حق قانوني لا يمكن التهرب منه، وأقنعت فريق الحريري بأنه لا حكومة بلا سلطات أكثر للمعارضة، وهكذا كان.
ولا يستطيع أي وسيط، أكان سعوديا أو قطريا أو غير ذلك، أن يلغي ثوابت في القضية العقدة. فالمحكمة قائمة، وهذه حقيقة. والتهم ستوجه، وهذه نتيجة أكيدة. ولا يملك الوسيط مهما كان متحمسا، ومهما حصل عليه من تأييد لبناني وعربي ودولي، أن يلغي محكمة أصبحت مربوطة بالبند السابع للأمم المتحدة. إنما يستطيع التفتيش عن حلول تخفف من أضرار المحكمة عند بدء أعمالها، وما قالته وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون مثال على ذلك، إن من سيحاسب على الجريمة هم الأفراد لا الجماعات، في أول إعلان صريح بأن حزب الله أو أي مؤسسة أخرى لن تتهم مهما كان حجم تورط الأفراد العاملين فيها. لكن ألا تكون هناك محكمة، أو لا تصدر تهم ضد أفراد، فهذه مهمة مستحيلة، على الأقل كما أتخيلها.
وإذا كانت أطراف رفضت قبول مثل هذه الأطر للوساطة السعودية، طالبة المستحيل، فإنها ستجد أن الوسيط القطري سيطرح العرض نفسه حينها لن ترفضه، لكن تستطيع أن تقايضه أو أن تجامله فتبيعها لمن تعتبرهم أقرب إليها سياسيا. ولا أعتقد أن ذلك سيغضب السعوديين ما دام أن النتيجة صون السلم الأهلي في لبنان وإنقاذ البلاد من التدهور السياسي والأمني.
لقد وضعت الأطراف الرافضة نفسها في زاوية حرجة لأنها تعهدت بإسقاط المحكمة وها هي لم تسقط، وكان بإمكانهم التعهد بمعالجة ذيول التهم المحتملة وحتى رفضها. وسواء أسقطت حكومة الحريري أو استولى الرافضون على كل لبنان بقوة السلاح أو بالإغراق الشعبي، فإن المحكمة باقية. لهذا نقول إن الوسيط البديل محظوظ لأن الفريق الصعب اكتشف