عبدالعزيز السويد

هل يعزل السياسي نفسه عن الجمهور، أم تعزله واجبات المسؤولية؟ ربما تكون كثرة الأعمال والأشغال دافعاً لإزاحة مسؤوليات عنه إلى غيره، وهذا أمر مفهوم، هنا يتبيّن حسن الاختيار والرقابة على من اختير، الأصابع تنبئ عن اليد، أما إذا تحوّل المختار الى حاجب حاجز، فهنا تبدأ كرة الثلج في التكوّن. يهدف السياسي إلى الاستقرار أولاً، ولهذا ثمن ودين معروفان ومحددان في الوفاء بحاجات من تولى أمورهم، والوقاية من تضخم مشكلات ومعالجتها، الوفاء بهذا الدين قبل حلوله ضامن كبير للاستقرار المنشود، أما إذا تأخر فمن الطبيعي أن تتراكم فوائد بالسالب، يحضر الدائنون جماعات، فينهار المدين.

أحداث تونس الأخيرة المؤلمة سياسية، وإن أخذت الطابع الاجتماعي الاقتصادي في شرارتها الأولى، إجراءات الحكومة التونسية تشير إلى أنها استيقظت من غفلة أو نوم، فالقرارات المتلاحقة من إقالات ووعود تثبت هذا في نواحي التوقيت والنوعية، وكبر حجم الالتزامات المعلنة الجديدة، التأخر في التدخل الصحيح حينما أحرق شاب نفسه كان أول خطأ قاتل، هنا تبرز الغفلة، ذاك الخطأ تولد أصلاً من أخطاء متراكمة، عزل السياسي نفسه وسط حاضنة خاصة واسترخى، وحينما يعزل السياسي نفسه تتوالد حوله فلاتر كبيرة تولد فلاتر أصغر، لكل واحد منها مقياس النفاذ الخاص - قال مواطن تونسي على الهواء إن له خمس سنوات يحاول مقابلة الوالي ولم يتمكّن - لكن السيل بلغ مبلغه، والسباق الآن بين السياسي والشارع، أياً كانت الاتهامات عمن يحركه، عصابات في رأي السياسي وحاجات... من وجهة نظر المحتجين.

أما الوعود فإذا كانت هناك قدرة لدى الحكومة التونسية لتوفير 300 ألف فرصة عمل خلال عامين، فهذا يحسب عليها لا لها، مثله مثل الاعتراف بالفساد، أين هذه القدرة قبل الحاجة الملحة لها، قبل الحرق والانتحار؟ أصل الاستقرار والرخاء هو تقدم الإمكانات الموفرة من الحكومات بمسافة معقولة عن تزايد الحاجات، وإلا فالقنابل الموقوتة كثيرة، القمع لن يفيد والشواهد التاريخية كثيرة، كما أن الأجنبي سيتدخل إن رغب، بدلاً من القاعدة وتطرفها سيجد مبرر حقوق الإنسان. إن من المؤلم أن تتحدث حكومات أجنبية غربية عن حقوق الإنسان في البلدان العربية، وهذه الثغرة - بل الوصمة - لا تسأل عنها إلا حكومات إذا سيطرت على الموارد، انكفأت في دائرتها الخاصة، عازلة نفسها بحاجب أو أكثر.